مقال

الدنيا بقاؤها قليل

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الدنيا بقاؤها قليل
بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله الذي بعث في الناس رسولا يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، أحمدك يا رب على أن اخترت الرسول الكريم ليكون نورا للعالمين، ثم الصلاة والسلام على نبينا محمد الذي كان ضياء للسالكين، وقدوة للناس أجمعين، الذي كان صلى الله عليه وسلم حتى آخر رمق من حياته كان رحيما بأصحابه حريصا على أمته فقد كان صلى الله عليه وسلم يلفظ أنفاسه الأخيرة ويعالج شدة آلم الموت وسكرته ومع هذا لم ينس أمته ولم ينسي أن يوصيها بما ينجيها من عقوبة الله فيقول صلى الله عليه وسلم “الصلاة الصلاة وماملكت أيمانكم” فاللهم صلي وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آل محمد الطيبين المخلصين الطاهرين وأصحابه الغر الميامين رضي الله عنهم بإحسان إلي يوم الدين، أما بعد.

فقيل أنه خرج الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز في جنازة لبعض أهله فلما أسلمه إلى الديدان ودسه في التراب وأغلق عليه القبر، فالتفت إلى الناس فقال أيها الناس إن القبر ناداني من خلفي أفلا أخبركم بماذا قال لي ؟ قالوا بلى يا أمير المؤمنين فقال إن القبر قد ناداني فقال يا عمر بن عبد العزيز ألا تسألني ما صنعت بالأحبة ؟ قلت له بلى فقال إني قد خرقت الأكفان ومزقت الأبدان ومصصت الدم وأكلت اللحم، ألا تسألني ماذا صنعت بالأوصال ؟ قلت له بلى فقال إني قد نزعت الكفين من الذراعين والذراعين من العضدين والعضدين من الكتفين والوركين من الفخدين والفخدين من الركبتين والركبتين من الساقين والساقين من القدمين، ثم بكى عمر بن عبد العزيز فقال ألا إن الدنيا بقاؤها قليل وعزيزها ذليل وشبابها يهرم، وحيها يموت.

فالمغرور من اغتر بها، فأين سكانها الذين بنوا مدائنها ما صنع الترابُ بأبدانهم ؟ والديدان بعظامهم وأوصالهم ؟ فكانوا في الدنيا على أسرة ممهدة وفرش منضدة، بين خدم يخدمون وأهل يكرمون فإذا مررت فنادهم وانظر إلى تقارب قبورهم من منازلهم، وسل غنيَّهم ما بقي من غناه ؟ وسل فقيرهم ما بقي من فقره ؟ فسلهم عن الألسن التي كانوا بها يتكلمون بها وعن الأعين التي كانوا إلى اللذات بها ينظرون، وسلهم عن الجلود الرقيقة والوجوه الحسنة والأجساد الناعمة، ما صنع بها الديدان ؟ فقد محت الألوان وأكلت اللحمان، وعفرت الوجوه ومحت المحاسن وكسرت القفا وأبانت الأعضاء ومزقت الأشلاء أين خدمهم وعبيدهم أين جمعهم ومكنوزهم ؟ والله ما زودوهم فرشا ولا وضعوا هناك متكئا أليسوا في منازل الخلوات وتحت أطباق الثرى في الفلوات ؟

أليس الليل والنهار عليهم سواء ؟ قد حيل بينهم وبين العمل وفارقوا الأحبة والأهل، وقد تزوجت نساؤهم، وترددت في الطرق أبناؤهم، وتوزعت القرابات ديارهم وتراثهم، ومنهم والله الموسع له في قبره الغض الناضر فيه والمتنعم بلذته، ثم بكى عمر وقال يا ساكن القبر غدا، ما الذي غرك من الدنيا أين رقاق ثيابك أين طيبك أين بخورك، كيف أنت على خشونة الثرى، ليت شعري بأي خديك يبدأ الدود البلى، ليت شعري ما الذي يلقاني به ملك الموت عند خروجي من الدنيا وما يأتيني به من رسالة ربي ثم بكى بكاء، ثم انصرف فما بقي بعد ذلك إلا أيام ومات، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “أكثروا ذكر الموت فإنه يمحص الذنوب، ويزهد في الدنيا، فإن ذكرتموه عند الغنى هدمه، وإن ذكرتموه عند الفقر أرضاكم بعيشكم”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى