وتقع المظالم في الأرض فلا ترفعها العدالة الأرضية المحدودة .
وهل تستطيع عدالة الأرض مهما سمت .
ومهما اتسعت آفاقها .
أن تزيل كل مظالم الاحياء ؟
كان الرسول يقول .
( إنما أنا بشر ، وإنكم لنختصمون إلي ّ ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأفضي له علي نحو ما أسمع منه ، فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فلا يأخذ منه شيئاً ، فإنما أقطع له قطعة من النار )
ذلك وهو رسول والوحي ينزل عليه .
فكيف بالبشر المحجوبة بصائرهم عن غيب الله وغيب النفوس .
هذا في المظالم الفردية .
أما في المظالم الجماعية .
فليس في الأرض نظام مهما كان من عدالته يمكن أن يكون عادلا لجميع البشر وفي جميع الحالات . علي الأقل لأن تطبيقه في يد البشر المعرضين دائما للخطأ والانحراف .
وحسب أي نظام أن يسعي إلي العدالة لأكبر مجموعة من الأمة .
أما كلها .
فليس في وسع البشر أن يحققوا ذلك علي الأرض .
فكيف يكون حين يفقد الناس ثقتهم باليوم الآخر .
وبعدالة الله المطلقة تعوضهم في ذلك اليوم عن ظلم الأرض وتنتقم لهم من الظالمين .
ليس التواكل .
وليس تخدير الشعوب لتسكت عن حقوقها المسلوبة .
كلا لا نقصد إلي شيء من ذلك ولا يرضي الإسلام بهذا المنكر الخطير .
{ إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا : فيم كنتم ؟ قالوا : كنا مستضعفين في الأرض .
فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا } .
{ إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يغيروا عليه أو شك الله أن يعمهم بعقاب } .
ليس السكوت عن الظلم هو مايقصد إليه الإسلام .
ولكنها المظالم التي لا تدركها عدالة الأرض ولو قصدت إلي ذلك واتخذت إليه كل سبيل وألوان الحرمان التي لا تملك الدولة ولا المجتمع أن تزبلها الضعيف المحروم من القوة .
المريض المحروم من الشفاء .
الطموح المحروم من المواهب .
الفتاة العاطلة من الجمال .
الام المحرومة من الأبناء .
فكيف يعيش المظلومون .
وهم لا يرجون ثواب الآخر ولا يثقون في عدالة الله .
وكيف يعيش المحرومون .
وهم لا يأملون في عطاء الله السابغ وتعويضه الكريم لهم عن الحرمان الذي صبروا عليه .
هل يمكن أن تكون حياتهم سوى أحقاد مريضة وشقاء مرير .
أو جرائم يضطرب لها وجه الأرض .
وهل يملك العلم لهم من علاج إلا العقيدة التي تبعث في نفوسهم الأ