مقال

سبحان الحي الذي لا يموت

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن سبحان الحي الذي لا يموت
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الأحد الموافق 5 نوفمبر

الحمد لله تعالى ذو الجلال والإكرام، مانح المواهب العظام، والصلاة والسلام على النبي سيد الأنام، وعلى آله وأصحابه وتابعيهم على التمام، لقد كان المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثابة جامعة للدولة المسلمة، فكانت تقام فيه الصلوات ودروس العلم، وكان يتم التشاور فيه في أمور المسلمين، فكان بمثابة مجلس النواب، وكان منه يخرج المسلمون للجهاد، وإليه يعودون، وكان يقابل فيه الرسول صلى الله عليه وسلم وفود الدول، ورسل الملوك والأمراء، ويتسلم فيه رسائلهم، وكان يعقد المسلمون أفراحهم في المسجد، كان المسجد مصدر حياة فكرية وثقافية للأمة، ولم يكن يمنع الأولاد من ارتياد المساجد، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل ابنة ابنته زينب وهي السيدة أمامة.

فيضعها حين يسجد ثم يحملها، ثم يضعها ثم يحملها وهكذا، ويقول الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله “لا بأس بدخول الصبي المسجد إذا لم يلعب، ولا يحرم عليه اللعب في المسجد، ولا السكوت على لعبه، إلا إذا اتخذه ملعبا، وصار ذلك معتادا فيجب المنع منه، فهذا مما يحل قليله دون كثيره، ودليل حله ما روي في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف لأجل السيدة عائشة رضي الله عنها حتى نظرت إلى الحبشة يزفون أي يعني يسرعون ويلعبون بالحراب في المسجد يوم عيد، ولا شك أن الحبشة لو اتخذوا المسجد ملعبا لمنعوا، ولم يرد ذلك على الندرة والقلة منكرا، وقد يحتج بعضهم بما رواه واثلة مرفوعا ” جنبوا صبيانكم المساجد” وهو حديث لا يصح الاحتجاج به، لكونه ضعيفا يعارض الأحاديث الصحيحة الكثيرة المتقدمة.

فيمكن للوالد أن يحمل طفله معه إلى المسجد في صلوات الجماعة، ويأمره بالمكوث هادئا، وعدم اتخاذه ملعبا أو التشويش على المصلين، ويمكن للأب أن يعطي ابنه شيئا يتلهى به، وإن الحياة الدنيا هي ذلك المعنى المرادف للوجود والحركة والفعل والتأثير والتأثر، وهى في نفس الوقت ذلك المضاد للموت والسكون والخمود، وبهذا المعنى الواسع تشترك كثير من المخلوقات في صفة الحياة المكتسبة والتي يعقبها ولا شك موت وسكون، وسبحان الحي الذي لا يموت، الذي منه كل حياة والإنس والجن يموتون، فالنبات حين يكون في أرضه يتغذى منها ويكبر ويترعرع فهو حي، والحيوان حين يجري ويأكل ويشرب ويتناسل وغير ذلك فهو أيضا حي، ولربما يطلق معنى الحياة مجازيا على الأرض المنتجة.

والجماد الذي يتفاعل ويتحرك كالنار حين اشتعالها والمشاعر المتفاعلة المتقدة، وغيرها مما يضاد السكون والهمود حقيقة ومجازا، وبهذا المعنى الواسع للحياة يشترك البشر مع الحيوان والنبات وغيره حياة لا تميز بينهم، يأكلون ويشربون ويتناسلون ويتحركون، ولكن الحياة بمعناها الأرقى والخاص هي حياة المؤمنين، الذين اتصلوا بخالقهم سبحانه وسما وجدانهم وصحت عقولهم على نور معرفة الله تعالى واليقين به وهي حياة تخلق في الوجود وجودا آخر من النور والبناء والغرس والنماء والحضارة والأخلاق الرفيعة والآداب السامية، وإن أعظم المخاطر على دين العبد هو السَّير وراء حب هذه الدنيا الفانية بدون ضوابط شرعية ولا قيود دينية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى