مقال

إلا من أتي الله بقلب سليم

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن إلا من أتي الله بقلب سليم
بقلم/ محمـــد الدكـــروري
اليوم : الأحد الموافق 17 ديسمبر

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، سبحانه وتعالى ولى الصالحين، وناصر ومؤيد المؤمنين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، اللهم صلي وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، حق قدره ومقداره العظيم أما بعد إن فكرة الناس عن الموت غامضة، أو بتعبير دقيق هي فكرة يكتنفها خطأ كثير، وأغلب الناس يظن الموت فقدان الإحساس، وانتهاء الحياة، والدخول في أودية العدم، والتلاشي للذات الإنسانية وكما تنفق دابة من الدواب، ثم ترمى تحت أكوام التراب، لتتحول بعد قليل ترابا أو كما تذبح بقرة، وتتوارى في بطون الآكلين.

وتنتهي وكذلك ينتهي الناس بالموت، وهذا ظن عدد كبير من الناس في الموت، وهو ظن يردد ظن الجاهلية الأولى، ويصور فهمها الشارد للحياة والموت معا، وهو فهم شاع في العصور الحديثة، لأن هذه العصور عبدت الحياة الدنيا، وأنكرت ما وراءها، ولذلك فهي تحسب المادة هي الحياة، وما وراء المادة وهما، وإن تفكير الناس في أن الموت نهاية الآلام هو الذي يجعل رجلا متألما ينتحر، لماذا؟ حيث يتصور الأحمق أن الموت يحسم الوجود، ويقطع الألم، ولو أدرك أنه بالموت سوف يبقى حيا، وأنه بالموت ينتقل من مرحلة تمثل وجودا محدودا إلى مرحلة تمثل وجودا غير محدود لتريث كثيرا قبل أن يزهق روحه، وقبل أن يقتل نفسه، لكن هذا التفكير المادي البحت غلب كثيرا من الناس.

وإنه ينبغي أن ترتعد فرائصنا من أمراض القلب لأنه كما قال تعالي ” يوم لا ينفع مالا ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم” ولا شك أن القلوب تمرض كالأبدان، ومرض القلوب أنواع، فمنها مرض لا يتألم به صاحبه في الحال، كمرض الجهل، ومرض الشبهات والشهوات والشكوك، وهذا النوع هو أشد الأمراض ألما، ولكن لفساد القلب لا يحس بالألم، وعلاجه إلى الرسل وأتباعهم، فهم أطباء هذا المرض، ولا شفاء منه إلا باتباع ما جاءوا به من الهدى، والقلب له حياة وموت، ومرض وشفاء، وذلك أعظم مما للبدن، والغالب في أمراض القلب أنها لا تزول إلا بالأدوية الإيمانية النبوية، فالهم والغم والحزن من أمراض القلب، وشفاؤها بأضدادها من الفرح والسرور والأنس، وجماع أمراض القلوب هي أمراض الشبهات وأمراض الشهوات، والقرآن شفاء للنوعين، ولغيرها من الأسقام.

ففيه من الآيات والبراهين القطعية ما يبين الحق من الباطل، فتزول أمراض الشبه المفسدة للعلم والتصور والإدراك، بحيث يرى الأشياء على ما هي عليه وفيه إثبات التوحيد، وإثبات الصفات، وإثبات المعاد، وإثبات النبوات، وفي ذلك كله شفاء من الجهل، وهو الشفاء على الحقيقة من أدواء الشبه والشكوك، ولكن ذلك موقوف على فهمه ومعرفة المراد منه، وأما شفاء القرآن لمرض الشهوات، فذلك بما فيه من الحكمة والموعظة الحسنة، بالترغيب والترهيب، والتزهيد في الدنيا، والترغيب في الآخرة، والأمثال والقصص التي فيها أنواع العبر والاستبصار، فيرغب القلب السليم إذا أبصر ذلك فيما ينفعه في معاشه ومعاده، ويرغب عما يضره، فيصير القلب محبا للرشد مبغضا للغي، ويعود للفطرة التي فطره الله عليها، كما يعود البدن المريض إلى صحته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى