مقال

الدكروري يكتب عن الأمن والأمان

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الأمن والأمان

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن الأمن من نعم الله عز وجل العظمى وآلائه الكبرى، لا تصلح الحياة إلا به، ولا يطيب العيش إلا باستتبابه ولذلك جعله الله من نعيم أهل الجنة الدائم قال الله تعالى “ادخلوها بسلام آمنين” فإن في ظل الأمن والأمان تحلو العبادة، ويصير النوم سباتا، والطعام هنيئا، والشراب مريئا، فالأمن والأمان هما عماد كل جهد تنموي، وهدف مرتقب لكل المجتمعات على اختلاف مشاربها، بل هو مطلب الشعوب كافة بلا استثناء، ويشتد الأمر بخاصة في المجتمعات المسلمة التي إذا آمنت أمنت، إذ لا أمن بلا إيمان، ولقد جاءت تحذيرات الشريعة القاطعة وأصولها الجامعة بالنهي الأكيد، والتحريم الشديد، عن كل عدوان وإفساد يخل بالأمن أو يؤثر على الاستقرار، فقال تعالى فى سورة الأعراف “ولا تفسدوا فى الأرض بعد إصلاحها” وقال سبحانه وتعالى فى سورة يونس” إن الله لا يصلح عمل المفسدين” ولأهمية توفر الأمن شرعت الشريعة الأحكام الوقائية والدفاعية.

 

بلا إفراط ولا تفريط، للحفاظ على سلامة تلك المقاصد من جهة الوجود والعدم بما لم يأتى له مثيل، ولم يسبق له نظير، فمن طبّق هذه الأحكام وامتثَل أمر الله عز وجل فيها، تحقق له ما يبتغيه من الأمن، بل بالغت التوجيهات الشرعية في الأمر بالحفاظ على الأمن وعدم المساس به بتوجيهات عديدة وأوامر ملزمة، فقال صلى الله عليه وسلم “لا يحل لمسلم أن يروّع مسلما” رواه أحمد، ونهى النبى صلى الله عليه وسلم أن يشهر السلاح على أرض المسلمين، فقال صلى الله عليه وسلم “لا يُشير أحدكم إلى أخيه بالسلاح فإنه لا يدري أحدكم لعل الشيطان ينزع في يده، فيقع في حفرة من النار” متفق عليه، وإن وسائل حفظ الأمن هو المحافظة على تطبيق الحدود الشرعية، بأن نحفظ ونحافظ على ما شرعه الله تعالى من إقامة الحدود على المجرمين التي فيها زجر للناس، فالله سبحانه وتعالى قد شرع لنا وأمرنا بأن نقيم حدوده المنصوص عليها في كتابه أو في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

 

وذلك لكي ينزجر الناس عن الجرأة على المعاصي التي نهى الله تعالى عنها، ولكي يستقر حال المجتمع، ولكي يأمن الناس على أموالهم وأعراضهم، فلو أمن السارق بأن يده لا تقطع، وأمن الزاني بأنه لن يُرجم، وأمن شارب المُسكر بأنه لا يجلد، وأمن المرابي والغاش والمزور بأنه لا يعزر فماذا تتوقعون أن يكون حال ذلك المجتمع؟ هل يسوده أمن؟ لا والله، فإن بإقامة حدود الله عز وجل كانت تسير الظعينة من شرق البلاد إلى غربها، لا تخشى إلا الله والذئب على غنمها، لكن عندما صار المسلمون يعطلون إقامة حدود الله عز وجل ولا يأبهون بها، بل ويستبدلون بها تشريعات من عقولهم في كثير من الأحيان وفي كثير من البلاد عاقبهم الله سبحانه بنزع الأمن منهم، فإن إقامة حدود الله تخيف الناس وتردعهم، فيثبت بذلك أركان المجتمع، أما أن يسرق ذاك الألوف المؤلفة ثم يترك، ويبلع الآخر بالملايين، ولا يُعرض أصلا على حكم الله، والثالث يرتكب الزنا والفواحش.

 

والذين حوله يعلمون عنه والناس تتناقل أخباره، وروائح جرمه، ومنكراته بلغت كل مكان ولا يقام عليه حد، والرابع سكير عربيد، بل قد جعل من بيته مصنعا للخمر، ثم يتستر عليه ويسكت عنه، فمن أين ينزل الله أمنه؟ فإذا أمن الناس العقوبة استَشرى فيهم الجريمة والفوضى، فإن المعاصي والأمن لا يجتمعان، فالذنوب مزيلة للنعم، وبها تحلّ النقم، وما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رُفع إلا بتوبة، والطاعة هي حصن الله الأعظم الذي مَن دخله كان من الآمنين، فإذا كنت في حاجة أخيك فقد واسيته، ويعني معاونة الأخوة المؤمنين، أن تعينهم بمالك وبجاهك وبخدمتك وببدنك، بالنصيحة والإرشاد، بالدعاء والاستغفار، بالتوجع لهم، إن لم تستطع أن تقدم لهم شيئا من هذه الأشياء فيجب أن تتوجع لهم، أفضل شاهد على ذلك أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في عام المجاعة خاطب بطنه قال قرقر أيها البطن أو لا تقرقر, فو الله لن تذوق اللحم حتى يشبع منه صبية المسلمين.

 

فالمواساة أن تواسي أخاك في مالك, وجاهك, وخدمتك, ونصيحتك, وإرشادك, وبالدعاء, وبالتوجع له، فيقول عليه الصلاة والسلام “من أقال عاثرا من عثرته, أقال الله عثرته” وأنت في حاجة أخيك، والله في حاجتك، فكن لي كما أريد، ولا تقل لي بما يصلحك، فإن الله عز وجل شكور، فإذا خدمت عباده، وواسيتهم، أطعمتهم، طمأنتهم، نصحتهم، أقلت عثرتهم، عدت مريضهم، أمددتهم بالمال، فالله في حاجتك، والله في عونك، وإن المواساة أنواع قد تجد أخ يحتاج إلى المال فقط، وقد تجد أخ يحتاج إلى عمل، وقد تجد أخ يحتاج إلى كلمة طيبة، عنده مشاعر حساسة، هو في موقف ظلم فالكلمة الطيبة مواساة، فأحيانا تكون الكلمة الطيبة تكريم لهذا الأخ، ورد كرامته له هذه أكبر مواساة، إنسان بالمال، إنسان بتأمين عمل، إنسان برفع معنويات، وإنسان مظلوم أكبر مواساة له أن ترفع عنه الظلم، إذا كان لك جاه، ولك صديق قوي, بإمكانه أن ينصفه, هذه أكبر مواساة.

 

وقد تكون المواساة بأن تشارك الناس في أفراحهم، هذه مواساة، فيقول صلى الله عليه وسلم ” من دعي فلم يلبى فقد عصى أبا القاسم” أو أن تشاركهم في أحزانهم، أو أن تضع الدين عنهم، دخله يكفيه، لكن عليه دين، لا يطيق سداده، أو أن تقنع الدائن أن يرجئه في سداد الدين، هذه مواساة، والمواساة أيضا أن يكون المسلم في حاجة أخيه، وإن مساعدة الحيوان الجريح من المواساة، فأنت حينما تواسي أخ مسلم, أو أخ في الإنسانية، أو مخلوق، حيوان أليف مكسورة يده، هذه مواساة، أنت حينما تواسي مخلوق كأنك تقرض الله قرضا حسنا، والسداد في الدنيا وفي الآخرة، لأن الله عز وجل شكور، إذا كنت في خدمة عباده كان الله في حاجتك، فيقول عليه الصلاة والسلام “مَن لقي أخاه بما يحب ليسره بذلك, سره الله عز وجل يوم القيامة”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى