مقال

رسول الله والصورة البشرية كاملة

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن رسول الله والصورة البشرية كاملة
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الجمعة الموافق 12 يناير 2024

الحمد لله ري العالمين شرح صدور المؤمنين فانقادوا لطاعته، وحبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم، فلم يجدوا حرجا في الاحتكام إلى شريعته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد فصلوات ربي وسلامه عليه من هاد للبشرية ومعلم لخير ما ينفعها في الدنيا والآخرة، ومما ينبغي الإشارة إليه حول تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع المشكلات الزوجية، هو أن “زوجاته صلى الله عليه وسلم كن يتعاملن معه من خلال بشريته صلى الله عليه وسلم لا من خلال نبوته، فتارة يحتالون له، وتارة يحتالون عليه، وتارة يغاضبنه، أو تغاضبه إحداهن، وتارة يجد على الواحدة منهن.

وهو بسلوكه صلى الله عليه وسلم معهن يرسم لنا الصورة البشرية كاملة، لتكون معلما للأزواج في تعاملهم مع أزواجهم” وجماع هذا الفصل، أنه كان يمر في حياة النبي صلى الله عليه وسلم بعض المشكلات الأسرية، وكان يتعامل معها بأسلوب راق في التعامل الأخلاقي، فلم يكن منه سباب أو جرح مشاعر، أو ضرب، أو تهديد بالطلاق، وأقصى ما فعله صلى الله عليه وسلم هو هجران بعض زوجاته، واعتزال نسائه لمدة شهر، وكان عليه الصلاة والسلام ينزل الأمور منازلها، ويعطي المواقف حجمها الطبيعي، وكان يتعامل مع الدوافع أكثر من تعامله مع المواقف ذاتها، وهذا مما يساعد على تجاوز العديد من المشكلات بسهولة ويسر، وبشكل يجعل المياه تعود إلى مجاريها في صفاء الحياة الزوجية.

وقد يتدخل من يعالج المشكلة حينما يستدعي الأمر ذلك، ولكن الغالب أنه كان يعالجها بنفسه برحابة صدر، ينم عن خلق كريم، وكيف لا يكون كذلك والله عز وجل قد زكاه بقوله “وإنك لعلى خلق عظيم” وهذا هو المنهج الحق في التعامل مع المشكلات الزوجية، فما يظنه بعض الأزواج في وقتنا الحاضر، أو ما يطمعون إليه من رغبة في رؤية الكمال الأخلاقي والسلوكي متمثلا في زوجاتهم مما يعد من الأمور المستحيلة، فالكمال لله عز وجل، لذا لا عجب أن نجدهم يعانون النكد والضيق في العيش لأنهم لم يتصوروا هذه الحقيقة، وهذا ما يحرمهم من الاستمتاع بزوجاتهم، هذا إن لم يصل بهم الأمر إلى الطلاق بالفعل، فالمنهج في هذا واضح من هدي المصطفى عليه الصلاة والسلام.

في الحديث الذي يرويه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “إن المرأة خلقت من ضلع، لن تستقيم لك على طريقة، فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها” وأورد ابن حجر رواية أخرى تحث الأزواج على المداراة، وهي المجاملة والملاينة، واللفظ قوله صلى الله عليه وسلم “فدارها تعش بها” فالحديث واضح الدلالة أن الاستمتاع بها لن يكون إلا على عوج، بل يمكن الأخذ من الحديث عدم استنكار اعوجاج المرأة، وينبغي عدم صرف الهم إلى التقويم الكامل لأنه لن يكون، ولكن التسديد والمقاربة، مع التغاضي عن كثير مما يكون من الزوجات جراء هذا الاعوجاج، الذي بينه رسول الهدى عليه الصلاة والسلام.

وإن مما تحسن ملاحظته في هذا الحديث النبوي الجامع لأصل كبير من أصول استقرار الحياة الزوجية، هو توضيح واقع الزوجة التعاملي مع الزوج، وحدود الإصلاح المطلوب من الزوج، وهو كما قال ابن حجر عند شرح الحديث بأنه صلى الله عليه وسلم “رمز إلى التقويم برفق، بحيث لا يبالغ فيه فيكسر ولا يتركه فيستمر على عوجه، فيؤخذ منه أن لا يتركها على الاعوجاج إذا تعدت ما طبعت عليه من النقص إلى تعاطي المعصية بمباشرتها أو ترك الواجب، وإنما المراد أن يتركها على اعوجاجها في الأمور المباحة، وفي الحديث الندب إلى المداراة لاستمالة النفوس وتألف القلوب وفيه سياسة النساء بأخذ العفو منهن والصبر على عوجهن، وأن من رام تقويمهن فإنه الانتفاع بهن مع أنه لا غنى للإنسان عن امرأة يسكن إليها ويستعين بها على معاشه، فكأنه قال الاستمتاع بها لا يتم إلا بالصبر عليها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى