مقال

سيزيف والصخرة في الحياة الحديثة

جريدة الاضواء

مقالي بعنوان *** سيزيف والصخرة في الحياة الحديثة

في ذلك الروتين اليومي الذي نعيشه .. وتلك الإعمال التي نكررها في كل يوم ، دون غاية أو هدف نصل إليه ؟ مع محدودية الحركة في المكان .. وثبات المناظر والألوان .. وضياع الوقت في أشياء غير مهمة .. مما يصيب الإنسان بالضجر .. مما أوجد عند الإنسان حبه وشغفه إلى الانتقال من مكانة .. الذي يحتضن تكراره في الوحدة إلى الاستماع إلى الحكايات وتدوينها على جدران المعابد والحوائط وأوراق الذاكرة..فنجد أنه يتذكر حكايات ، ويضع الشخصية في الموقف طبقا إلى نظرية التغير حيث إن عناصر الحكايات بكل ما فيها ..تنقل الإنسان من الحالة العبثية للحياة إلى حالة جديدة من تغذية الخيال بعناصره الجديدة .

تحكي الأسطورة الإغريقية القديمة أن سيزيف كان رجلا ذكيا وماكرا جدا ، حين استطاع أن يخدع إله الموت ” ثانتوس “حين طلب منه أن يجرب الأصفاد والأقفال ، وما أن جربها إله الموت حتى كبل سيزيف إله الموت وبذلك منعه من أن يقوم بمهمته .. وبذلك منع الناس أن تموت .

أغضب هذا الأمر الآلهة الأوليمبية فأصدروا عليه حكما بأن يعيش حياة أبدية على أن يقضي حياته في عمل غير مجد .. تكرار في تكرار بأن يدحرج صخرة ويصعد بها الى قمة الجبل .. ويعود يدحرج ذات الصخرة نزولا من جديد ، مرارا وتكرارا ، وبل نهاية ..حيث تحل بالإنسان حياة عبثية .. لا يستطيع الفلك منها .

ويتساءل الفيلسوف الفرنسي ألبير كامو : هل يمكن أن تحل بالإنسان حياة عبثية أكثر كهذه ؟ أو ليست حياتنا التي نحياها في هذا العالم .. وسيقت الشبه الى حد كبير بهذا الشقاء الذي حكم على سيزيف به ؟ حين أن هذا الروتين اليومي الذى نعيشه يورث تلك العبثية فى النفس والروح ويصبح الموت يمثل حالة الخلاص .. خلاص الإنسان من هذا الضجر .

في الحقيقة أن هذه التساؤلات تقع في قلب فلسفة ألبير كامو الوجودية التي تدور حول قضية المعنى والإنسان في هذا العالم .

من الضروري أن نقول هذا كبداية للدخول الى حالة اللاجدوى التي يعيشها الإنسان في العصر الحديث والذي أمتلك عالمين عالم حقيقي ينعم فيه بالتكرار وعالم افتراضي أرحب متغيرا قادرا على تحقيق ما يدور في نفسه من مخاوف وأمال وأوهام غير حقيقية ..عالم لا ينتهي انه عالم السوشيل ميديا .. سلعته ومحور اهتمامه هو الإنسان بل ممكن القول إنه وقت الإنسان .. حياة الإنسان والابتعاد عن الواقع هل هي خطة طويلة المدى من الغرب الذي يقف خلف الحرب الدينية على المسلمين والعالم الثالث ويصبح هدف الإنسان فى العالم الثالث هو التسوق وليس الإنتاج .. كيف يضيع وقت الإنسان في العالم الثالث عندما يضيع في الوقت وهي حالة عدم تكريس الوقت وقضاة في حاجة مفيدة تعود على الإنسان والمجتمع بالخير الكثير ..ونجد أن هناك أسبابا كثيرة تساعد على ذلك حيث إن نسبة الأمية مرتفعة ..وغير بعيد ارتفاع الأمية الثقافية .. وهي البيئة الخصبة لانتشار ضياع الوقت .. وغياب الواقع .. ويصبح الواقع الافتراضي هو الحياة ..أنظر تعامل الإنسان العربي مع الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع عزة ..حيث أمكن تحويل الإنسان العربي الى أن يتبني الثقافة السلبية هو يشاهد ولا يتحرك ..مشاعره داخلية حزنه داخلي .. ولكن ماذا بعد ؟

أن كان سيزيف أرتبط بالصخرة .. حين اقتربت منه .. وأصبحت جزءا من كتفه وزراعه .. حتي حين كانت تسقط من أعالي الجبل .. فن هناك خيط غير مراء ممتد من قلب الصخرة الى قلب سيزيف .. يجعله يعود فى كل مرة ويحملها ، ويصعد الجبل .. في تكرار لا ينتهي .. أليس كان الأجدى أن يلجا الى فعل التخلص من هذا العذاب بالموت الاختياري .. ولكن الأمل في الانتصار يجعله متمسكا بالحياة .. ويعود

وهكذا الإنسان يتمسك بالحياة المملة .. التي تصنع جبالا من التكرار ., لكنه يحتضن الأمل فى أن يعود بالأيمان في الوعد .. أنها جنة الجد .. والذي فقدها حين صدق الشيطان في الحياة الابداية .. واكل من الشجرة .. فعصى الأمر الإلهي .. فطرد من الجنة الى الأرض .. لكن الجنة عاشت داخله ..كأنها حلم وأمل .. يعيش فيه .. لذلك يحاول الاقتراب من صفات الملاك داخله .. لكي يتخلص من صفاته البشرية ..التي لا تناسب ما في الجنة من حياة أبدية .. وما فيها من شفافية .. وعلو على الصفات البشرية التي لازمت الإنسان في طريق العودة .. من كل ذلك تحمل الإنسان هذه الحياة وعاد يحمل الصخرة ويصعد الى جبل الحياة .. أن ثقل الصخرة ورائحتها وخدر زراعه وكتفه والألم الذى ينتشر فى الجسد .. كل ذلك كان يدفعه للموت والتخلص من الحياة أنها ليست دعوة الى الانتحار حيث أن الخلاص من الحياة .. هو خلاص من الصعود الى الجبل ” الحياة ” ولكن أمل العودة كان أكبر وأعمق من الخلاص من الحياة .. أن حلاوة الحياة في الجنة ..ما زالت تبني الأمل في الحياة .

ذكر برناردلويس في كتابة عن الحشاشين :

( أن شيخ الجبل قائد وأمير جماعة الحشاشين .. أما تعبير شيخ الجبل بالتحديد فيبدو أنه كان ِوأن هذا التعبير أصبح شائعا بالنسبة لفرعي الفرقة الإسماعيلية في سوريا وإيران علي السواء .. وكان يقود هذه الفرقة أمير بملك في الجبال عديدا من القصور ، البالغة الجمال يحيطها أسوار عالية جدا بحيث لا يستطيع أحد الدخول إليها إلا عبر باب صغير عليه حراسة مشددة .. وفي هذه القصور يربى عددا من أبناء الفلاحين الذين يأخذهم منذ طفولتهم المبكرة ..وهناك يجرى تعليمهم لغات مختلفة كاللاتينية والإغريقية والرومانية والعربية وغيرها ، وهؤلاء الشبان الصغار يتلقاهم معلموهم من شبابهم المبكر إلى رجولتهم الكاملة .. أن عليهم أن يطيعوا سيد القلعة في كل ما يقوله أو يأمر به .. وأنهم إذا فعلو ذلك فأنه .. سوف يهبهم مسرات الفردوس ).

كما نقرا في كتاب ماركوبولو ما يلي :

( إنهم يسمون شيخ الجبل في لغتهم ألودين ” علاء الدين ” وقد قام بإغلاق واد بين جبلين وحوله إلى حديقة فيحاء أكبر وأجمل حديقة يمكن أن تقع عليها عين .. وملاءها بكل أنواع الفاكهة ، وأقام فيها قصور ومقصورات من أروع ما يمكن نخيله وجميعها مغطاة برسوم فاتنة مموهبة بالذهب ، وجعل فيها جداول تفيض بالخمر واللبن والعسل والماء مليئة بالحور العين أنها تشبه الجنة .

وكان يحتفظ في بلاطه بشبان من أبناء المناطق المجاورة .. تتراوح أعمارهم بين الثانية والعشرين ، وهي السن الملائمة للجندية ، وتعود أن يقص عليهم قصصا عن الجنة .. ثم يدخلهم حديقته في مجموعات من أربعة أو ستة أو عشرة أفراد كل مرة بعد أن يجعلهم يشربون مخدرا معينا يسلمهم إلى نعاس عميق .. ثم يأمر برفعهم وحملهم إلى هناك في الجنة .

وهكذا فإنهم عندما يستيقظون.. ويجدون أنفسهم ، في مثل هذا المكان الأخاذ ..يحسبون أنهم في الفردوس حقا ، وتغازلهم السيدات والفتيات ، بما يملأ قلوبهم حبورا حتى يشبعوا كل رغبات هؤلاء الشبان إلى درجة أنهم يتمون ألا يغادروا هذا المكان أبدا .. وعندما يريد هذا الأمير أحد الحشاشين في مهمة فإنه يأمر بإعطاء مخدر إلى أحد الشباب في الحديقة ثم يحملونه إلى القصر .. ثم يؤتي به إلى حضرة شيخ الجبل فيركع أمامه في احترام بالغ ..فإنه يقول لمثل هذا الشاب : أذهب واقتل فلانا وعندما تعود سوف أدخلك إلى الفردوس ، وإذا مت أرسل ملائكتي لتحملك إلى هناك وهو معتقد أنه نبي حقيقي ).

إن ما يحير العقل ويأخذ الإنسان .. إلى مناطق بعيده في التفسير .. كيف الوهم هو الذي يخلق الحياة ؟ في الجنة ..وأن الطريق إلى الجنة معروف بالأعمال الصالحة .. هل هو الشيطان من أوجد طرق السيطرة على الآخر ..

وفي النهاية على الإنسان أن يدفع حياته إلى هدف قصير ألمدي يحاول تحقيقه .. وأثناء ذلك يعمل بكل جد للهدف الأعلى وهو صعود الجبل .. جبل الحياة ..بالوصول إلى الجنة واستغلال منتجات العصر الحديث لخدمة أهداف الإنسان التي حددها بشكل واضح بعيد عن ضياع الوقت في أشياء غير مهمة .. إن كل الأشياء تبدأ ثم تموت .. ومتى بدأت تموت .. والموت ينتظرك في النهاية .. فاتحا زراعية .. حامل عنك ألم الصخرة والتكرار .

بقلم الأديب / محمد الليثي محمد

أسوان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى