مقال

الدكروري يكتب عن الإمام ابن كمال باشا ” جزء 6″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإمام ابن كمال باشا ” جزء 6″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

وكتب العلامة ابن كمال باشا بهذه المناسبة وفي هذه المسألة، رسالتين، الأولى هي رسالة في أفضلية النبي صلي الله عليه وسلم قال في مقدمتها فهذه رسالة في تحقيق تلك المقالة أي مقالة القابض، وبين فيها أن المسلمين أجمعوا على تفضيل نبينا صلي الله عليه وسلم على سائر الأنبياء عليهم السلام، واستشهد على ذلك بالأدلة من الآيات والأحاديث، قال فيها “وأنا أقول لابد من الاعتقاد بتفضيل نبينا محمد صلي الله عليه وسلم على سائر الأنبياء عليهم السلام إجمالا وتفصيلا، لما مر من اعتقاد إجماع المسلمين على ذلك، وفي التعبير عن هذا المقصد يكفى أن يقال إن محمدا صلي الله عليه وسلم أفضل من سائر الأنبياء عليهم السلام، ولا حاجة إلى التفضيل التفصيلي عبارة لما فيه من إظهار النقص في المفضول، والاحتراز عنه واجب، فإنا قد أمرنا به، ثم قال فالتفضيل التفصيلي عبارة لا يُصار إليه إلا في مقام الضرورة، وقيام الحاجة إليه.

 

كما وقع في زماننا، حين ادعى بعض الزنادقة في ديوان السلطان سليمان الزمان، عند حضرة آصف الدوران، مسمى خليل الرحمن فضل نبي الله عيسى عليه السلام على نبينا محمد صلي الله عليه وسلم، فاحتيج في رده إلى التصريح بأن محمد صلي الله عليه وسلم مفضل على عيسى عليه السلام وعلى سائر الأنبياء مجملا ومفصلا” وأما الرسالة الثانية فهي رسالة في تصحيح لفظ الزنديق، وتوضيح معناه الدقيق، فقال في آخرها بعد أن بين معنى الزنديق لغة وشرعا “إن الرجل الشهير بالقابض، المقبوض روحه بأمر الفائض فتوحه، كان زنديقا على التعريف الفقهي للزنديق، المنقول عن شرح المقاصد، وكان داعيا إلى الضلال، معروفا بالإضلال، ساعيا في إفساد الدين المبين، على ما اشتهر وثبت بشهادة ثقات من العدول، وتقاة من الفحول، وقد مر في الفتاوى الخانية أن الفتوى على وجوب قتل من كان كذلك” وكان العلامة ابن كمال باشا يكافح البدع.

 

والمنكرات الشائعة في زمانه، ويستنكرها بلهجة قوية، وينكر على العامة في مخالفاتهم، ويواجه العلماء بالتذكير والنصيحة، فقد نبه على بدع الصوفية وخرافاتها، ورد عليها، وكتب رسالة في بيان تحريم الرقص والدوران، قال فيها “سئل الحلواني عمن سموا أنفسهم بالصوفية، فاختصوا بنوع لبس، واشتغلوا باللهو والرقص، وادعوا لأنفسهم منزلة عند الله تعالى، فقال افتروا على الله كذبا فاحشا، وسئل إن كانوا زائغين عن الطريق المستقيم، هل ينفون من البلاد لقطع فتنتهم عن عامة الناس؟ فقال إماطة الأذى عن الطريق أبلغ في الصيانة، وأمثل في الديانة، وتمييز الخبيث من الطيب أزكى وأولى” ثم ذكر أقوال الأئمة المؤيدة لذلك، وقال في رسالة المنيرة “واعلم أن بعض الصوفيين في هذا الزمان لا يعلمون أداء الفرائض والواجبات بكامله، فيتركون في صلواتهم مثل القراءة والقومة والجلسة على المشروع، ويشتغلون بعد صلواتهم بالتسبيح والتهليل.

 

رجاء من الله الثواب على هذه الحالة، ويغفلون عن هذا الحديث، قال عليه الصلاة والسلام لأعرابي لم يتم ركوعه وسجوده “قم، صلي، فإنك لم تصلي” وقال أيضا “اعلم أن من بدعات هذه الصوفيين أن شيوخهم يغسلون أيديهم، ثم يشربون تلك الغسالة مرضى هذه المسلمين لأن تشفي لهم، فهذه البدعة منهم وسائر بدعاتهم لا تجد إليها إشارة قط في أحكام الشريعة، سوى قولهم بالترهات، فاعلم أن الصوفيين في هذا الزمان لا يتعلمون أحكام الشريعة من علماء الدين، بل يعلمهم شيوخهم ما يقتضي هوى أنفسهم من الشطح والطامات والترهات، والأصل في الزمان السابق أن هذه الفرق الموصوفة بالتصوف كانوا متشرعين عاملين على مقتضى الشريعة، وسالكين في طريق الحق بالاستقامة، لكن بعد زمانهم ابتدأ ظهور البدعة، وتهاون العلماء في إحياء السنة والشريعة، فزيدت البدعات يوما فيوما، حتى انتهت إلى هذه المرتبة.

 

فالآن حدثت المتصوفة الصارفة أوقاتهم إلى مقتضى أنفسهم، واشتغلوا بكثرة المريدين والأحباء، وتبدلوا أشكالهم وصورهم لأكل أموال الأغنياء، وحيلوا في اصطياد قلوب الأمراء بالشطح والطامات” ولم تذكر المصادر التي ترجمت لابن كمال باشا غير واحد أنه تزوج، وأنه رزق من هذا الزواج بولد، ولكن هناك نص في آخر في رسالة في تحقيق المعجزة لابن كمال باشا في مكتبة كوبريلي باستانبول يقول فيها تمت الرسالة المعمولة في تحقيق المعجزة بعون الله تعالى وحسن توفيقه على يد العبد الضعيف الفقير إلى الله تعالى، تراب أقدام الصالحين، الراجي عفو ربه وغفرانه صالح محمد بن أحمد بن سليمان بن كمال القسطنطيني، عفا الله تعالى عنه، وعن والديه وعن جميع المسلمين عامة، فيفهم منه أنه تزوج، ورزق منه بولد، اسمه محمد صالح، وله حظ من العلم، ومشتغل به، ويؤيد ديباجة رسالته في علوم الحقائق وحكمة الدقائق، وجود ابن له.

 

حيث يقول فيها “فهذه الرسالة في علوم الحقائق وحكمة الدقائق، لولدي في طريقه، وقرة العين في الإرادة، زاد الله تعالى توفيقا في تحصيل علوم الشريعة، وهداية وإرشادا في دقيق معاني الحقيقة، اللهم اجعل هاديه في الدين بحق محمد الأمين” وكذلك يفهم من ديباجة رسالته في بيان عقيدة أهل السنة أن له بنتا، وكتب هذه الرسالة لتلقينها عقيدة أهل السنة، إذ يقول فيها بعد الحمد لله والصلاة على النبي صلي الله عليه وسلم، وبعد لما طعنت بنيتي في السنة السابعة، خطر ببالي أن ألقنها عقيدة أهل السنة، وآمرها باتباع الشريعة، عملا بما جاءت به السنة، وذلك أن النبي صلي الله عليه وسلم، كان يعلم الغلمان من بني هاشم إذا أفصح سبع مرات الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك، ولم يكن له ولي من الذل، وكبره تكبيرا، هذا وذكر حسين حسام الدين في كتابه تاريخ أماسية،أن له ابنا اسمه إبراهيم، وبنتا اسمها صفية.

 

زوجها من ابن مؤيّد زاده عبد الرحمن المسمى بعبد الوهاب، ولقد قضي العلامة ابن كمال باشا حياته كلها في خدمة العلم وطلابه، وشغل كل وقته بالكتاب مطالعا أو باحثا أو مؤلفا، حتى زادت مؤلفاته عن ثلاث مائة رسالة في فنون شتى، وبعد هذه الحياة الحافلة بالعلم والتدريس والإفتاء والقضاء أدركته المنية في يوم الخميس الثاني من شهر شوال عام تسعمائة واع وتسعين من الهجرة، بعد طلوع الشمس، في مدينة قسطنطينية، وصُلي عليه بعد الظهر من ذلك اليوم، في جامع السلطان محمد خان، ودفن في ذلك اليوم أمام الزاوية التي سكانها الصوفية المنسوبة إلى الأمير البخاري، وقيل أنه في يوم عيد الفطر عرض عليه الوصية بإسقاط الصلاة، وقال “أكملت يوم عرفة سبعا وستين سنة من العمر، وليس عليّ صلاة غير مؤداة سوى ما فاتني في هذا المرض، وقيل في تاريخ وفاته أيضا ارتحل العلوم بالكمال، وكتب على قبره هذا مقام أحمد.

 

وعلى أكفانه هي آخر اللباس، وكلها يتضمن تاريخ وفاته، وكان يقول وهو يحتضر يا أحد نجنا مما نخاف فحسبت بعد موته، فكانت تاريخا لوفاته أيضا بحساب الجمل، وحكى بعض المترجمين له أنه لما بلغ خبر وفاته الديار الشامية صلوا عليه غائبة بجامع دمشق، وكذلك بالمسجد الحرام، وهذا يدل على اشتهاره في العالم الإسلامي لخدمته العلوم الشرعية بالتدريس والإفتاء والتأليف، كما يدل على تقديرهم لدرجته العلمية واعترافهم بِمكانته الرفيعة، رحمه الله تعالى رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى