مقال

نسائم الإيمان ومع أفضل أيام الدنيا “الجزء الأول”

نسائم الإيمان ومع أفضل أيام الدنيا “الجزء الأول”
إعداد / محمـــد الدكـــرورى

إن هذه الدنيا التي نعيشها لن نخلد فيها، وهي لن تبقى إلى الأبد، فلها نهاية كما كان لها بداية، ونحن نعلم أنه في كل يوم يموت خلق كثير ويدفنون، ولا بد أن نكون يوما من الأيام منهم، طال ذلك أم قصر، والدنيا بأفراحها وأتراحها، ومسراتها وأحزانها، ويسرها وعسرها ينساها الناس بمفارقتها بل إن الواحد يصيبه عسر شديد، ومصيبة كبيرة، ثم مع مرور الأيام يزول عسره، وينسى مصيبته، ويذهب همه وغمه، وكذلك الإنسان تصيبه سراء فيفرح بها فرحا شديدا، ومع الأيام ينساها ويزول فرحه، وهكذا ما يلحق أهل الإيمان والتقوى من مشقة حبس النفس على الطاعات، وكفها عن الشهوات فإنهم ينسون ذلك بمجرد انتهاء وقته، وذهاب مشقته فالصائم الذي جاع وعطش.

ينسى معاناته مع الجوع والعطش بمجرد فطره، والحاج الذي لحقه من المشقة والزحام وطول الانتظار ما لحقه، ينسى ذلك بمجرد إتمام حجه، وانقضاء نسكه، وأهل الشهوات المحرمة ينسون لذة شهواتهم ومتعتها، بمجرد مفارقتها، وتبقى السيئات في صحائفهم، والأوزار تثقلهم، والهموم والأحزان تملأ قلوبهم، وهذا من عذاب الدنيا قبل عذاب الآخرة، فحري بالمسلم أن يعتبر بذلك، وأن يعمر وقته بطاعة الله تعالى لعلمه أن ما يلحقه من مشقة العبادة يزول ويبقى له أجرها، يتنعم به خالدا مخلدا في دار النعيم، وأن يجانب المحرمات ليقينه أن لذتها تزول بزوالها، ويبقى وزرها عليه، وأن يستفيد من الأزمان الفاضلة، والأوقات المباركة التي اختصها الله تعالى بشعائره العظيمة.

فيعظمها كما عظمها الرب تبارك وتعالى ويخصها بكثرة النوافل والقربات، وإن الخسران كل الخسران أن يصرفها العبد في اللهو والغفلة، والتمتع بما حرم الله تعالى عليه، ولربما كانت هذه العشر آخر موسم مبارك يدركه العبد في حياته، فلعل الموت يبغته في أي لحظة، ولقد اختص الله تعالى بعض الأزمنة بعبادات فضلت بها على غيرها من الزمان، كما اختص ثلث الليل الآخر دون سائر الليل والنهار، بتجليه سبحانه وتعالى للمستغفرين من عباده والسائلين والداعين، واختص يوم الجمعة بهذه الصلاة العظيمة، وبساعة الإجابة فيها، واختص رمضان بوجوب صيامه، ومشروعية الجماعة في قيامه، واختصت عشر ذي الحجة باجتماع أمهات العبادات فيها.

فكان العمل الصالح فيها أفضل منه في غيرها فالصلاة، والدعاء، والصدقة، والجهاد، وقراءة القرآن، وذكر الله تعالى وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وغيرها من القربات هي في عشر ذي الحجة أفضل منها في غيرها، فإن هذه العشر المباركات التي نبتدئها بعد أيام هي أفضل أيام السنة، والعمل الصالح فيها أيا كان نوعه أفضل منه في غيرها، وهي تقع في آخر شهر من السنة، فكأنها تعويض للمفرطين في عامهم ليتداركوا أنفسهم، ويعوضوا فيها ما فاتهم، ويدركوا بها منزلة من سبقهم، ومن فضل الله تعالى أنها كانت في آخر العام فإن العبد يتذكر بنهاية سنته نهاية عمره، ويندم على ما فرط في أيامه الخالية.

ويعقد العزم على استثمار ما بقي من حياته، فإذا هو يستقبل هذه العشر المباركة ليفي بوعده لربه، ويصدق مع نفسه، وإن الله تعالى حين جعل هذه العشر المباركات أفضل أيام السنة، فإنه سبحانه اختصها بخصائص ليست في غيرها، وجعلها زمنا لعبادات لا تكون في سواها، فهي زمن أداء ركن الإسلام الخامس، فأول أيام الحج فيها وهو يوم التروية، وفيها ركنه الأعظم، وهو الوقوف بعرفة، ويتوّج خاتمتها وهو يوم النحر بأكثر أعمال الحج، وهي الرمي، والنحر، والحلق، والحل من الإحرام، والطواف بالبيت، والسّعي بين الصفا والمروة، فإنها اختصت بهذه الأيام الثلاثة العظيمة، وفيها مناسك الحج وشعائره الكبيرة، ففي اليوم الثامن يبدأ الحجاج مناسكهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى