مقال

الصبر لا يصمد له إلا الخاشعون ” جزء 9″

الصبر لا يصمد له إلا الخاشعون ” جزء 9″
بقلم / محمـــد الدكـــروري

ونكمل الجزء التاسع مع الصبر لا يصمد له إلا الخاشعون، وإن في البلاء إقامة حجة العدل على العباد فيعلم العبد المبتلى أن لله عز وجل عليه الحجة البالغة، فإذا أصابه بشيء من المكروه، فلا يقل لماذا؟ فهو يعلم أنه ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة، ويقول الله عز وجل فى سورة الشورى ” وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير” فإن هذه الآية الكريمة فيها حكم عظيمة، وفيها فوائد جمة لمن تأملها، ذلك أن ما يدور في هذه الحياة وأنه يفهم من ضوء هذه الآية أن يعرف أهل الإيمان ما يواجههم، ويعرفون تفسير ما في هذه الدنيا من خلال هذه الآية فقال الله تعالى في كلمات قليلة موضحا حكمة عظيمة في خلقه فيقول عز وجل فى سورة الفرقان ” وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون “وعند هذه الكلمات القليلة من كتاب ربنا نتوقف.

ونريد أن نفهم معاني هذه الكلمات، والمسلم مطالب بفهم كتاب الله، وهذه الفتنة والابتلاء من حكمة الله تعالى في خلقه فكما أنه يبلوهم بالمصائب، ويبلوهم بالنعمة يبلوهم بالحسنات، والسيئات، ويبلوهم بشرعه، وقدره، فكذلك يبلوا بعضهم ببعض وإن الفتنة والابتلاء من حكمة الله تعالى في خلقه فكما أنه يبلوهم بالمصائب، ويبلوهم بالنعمة فيبلوهم بالحسنات والسيئات، ويبلوهم بشرعه وقدره، فكذلك يبلوا بعضهم ببعض، وهذا فى قوله تعالى “وجعلنا بعضكم لبعض فتنة” وهذا عام في جميع الخلق، فقد امتحن بعضهم ببعض، فامتحن الرسل بالمرسل إليهم، ودعوتهم إلى الحق، والصبر على أذاهم، وتحمل المشاق في سبيل إبلاغ الرسالة، وامتحن المرسل إليهم بالرسل، هل يطيعونهم؟ وهل ينصرونهم ويصدقونهم؟ أما يكفرون بهم، ويردون عليهم، ويقاتلونهم؟

وامتحن العلماء بالجهال، هل يعلمونهم، وينصحونهم، ويصبرون على تعليمهم، ونصحهم، وإرشادهم؟ وامتحن الجهال بالعلماء هل يطيعونهم، ويهتدون بهم؟ أم أنهم يعرضون عن أقوالهم، ويرجمونهم؟ وامتحن الملوك بالرعية، والرعية بالملوك، وامتحن الأغنياء بالفقراء، والفقراء بالأغنياء، وامتحن الضعفاء بالأقوياء، والأقوياء بالضعفاء، والسادة بالاتباع، والاتباع بالسادة، وامتحن الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، والمؤمنين بالكفار، والكفار بالمؤمنين، وامتحن الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر بمن يأمرونهم، وامتحن المأمورين بالذين يأمرونهم، وكذلك كان فقراء المؤمنين، وضعفائهم من أتباع الرسل فتنة لأغنياء القوم، والملأ والرؤساء الكفرة فامتنعوا من الإيمان بعد معرفتهم بصدق الرسالة، فقال تعالى فى سورة الأحقاف ” لو كان خيرا ما سبقونا إليه ”

فلو كان دين الرسل حقا ما سبقنا إليه هؤلاء الضعفاء والأراذل من القوم، فإذا رأى الشريف المسكين الذليل فاستبقه إلى الآيات، ومتابعة الرسول حمي وأنف أن يسلم فيكون مثله، ومثل من أسلم سواء لا يمكن أن يرضى بهذا، ولذلك ترضى أغلب الأغنياء والرؤساء الطغاة لا يتابعون الحق، وإنما يريدون الإصرار على باطلهم ويأنفون أن يدخلوا مع الناس في الدين لأنهم يريدون خصوصيات ومميزات عن سائر الخلق، وهذه الخصوصيات والمميزات بالمال والسلطة ولذلك استسهن كفار قريش بإسلام الفقراء أمثال بلال وخباب وصهيب وأبي ذر وابن مسعود وعمار ويقول كفار قريش انظر إلى هؤلاء الذين اتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من موالينا وأراذلنا، فقال الله تعالى ” وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون”

فالفتنة إذن محك الإيمان وامتحان القلوب بها يتبين الصادق من الكاذب وفتن الله أصحاب الشهوات بأصحاب الصور الجميلة وفتن الله أصحاب الشهوات بأصحاب الأشكال الحسنة والصور الجميلة وامتحن النوع الآخر بأصحاب الشهوات فكان كل من النوعين فتنة للآخر فمن صبر منهم نجا ومن أصابته الفتنة هلك وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تركت بعدي فتنة أضر من النساء على الرجال، فالعبد في هذه الدار مفتون بشهواته ونفسه الآمرة بالسوء وشيطانه المغوي، وقرنائه المزينين من الإنس فإذا أضيف إلى ذلك ضعف الإيمان، وضعف القلب، ومرارة الصبر على الشهوات، وحلاوة المعصية العاجلة في الدنيا وميل النفس إلى زهرة الحياة الدنيا وكون العوض على الصبر مؤجل في الآخرة لا يرى الآن فإنه يكاد يهلك إلا إذا أنقذه الله تعالى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى