مقال

الثأر والقصاص في ميزان الحق ” جزء 2″

الثأر والقصاص في ميزان الحق ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثاني مع الثأر والقصاص في ميزان الحق، وفي رواية “ولا عفا رجل عن مظلمة إلا زاده الله بها عزا” رواه أحمد، فالذي يعفو عزيز، وأهل العزة هم أهل العفو إن شاء الله، فإن أردت أن تحرم النار على جلدك يوم القيامة، فعليك أن تكون قريبا من الناس، متساهلا معهم في غير معصية الله، لينا في معاملاتهم، فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ألا أخبركم بمن يحرم على النار أو بمن تحرم عليه النار، على كل قريب هين سهل” رواه الترمذي، وفي رواية ” حُرّم على النار كل هين لين سهل قريب من الناس” رواه أحمد، وإن كثيرا من الناس يظنون أن العفو والتجاوز يقتضي الضعف والذلة، وهذا غير صحيح.

 

فالعفو والتجاوز لا يقتضي الذلة والضعف، بل إنه قمة الشجاعة والامتنان وغلبة الهوى، وخصوصا إذا كان العفو عند المقدرة على الانتصار، فيقول الله تعالي كما جاء في سورة الشوري ” والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون” وقد ذكر عن إبراهيم النخعيّ قوله “كانوا يكرهون أن يُستذلوا، فإذا قدروا عفوا” وقال الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما “لو أن رجلا شتمني في أذني هذه واعتذر في أذني الأخرى لقبلت عذره” وقال جعفر الصادق رحمه الله “لأن أندم على العفو عشرين مرة أحب إليّ من أندم على العقوبة مرة واحدة” وقال الفضيل بن عياض رحمه الله “إذا أتاك رجل يشكو إليك رجلا فقل يا أخي، اعف عنه فإن العفو أقرب للتقوى، فإن قال لا يحتمل قلبي العفو.

 

ولكن أنتصر كما أمرني الله عز وجل فقل له إن كنت تحسن أن تنتصر، وإلا فارجع إلى باب العفو فإنه باب واسع، فإنه من عفا وأصلح فأجره على الله، وصاحب العفو ينام على فراشه بالليل، وصاحب الانتصار يقلب الأمور لأن القوة هي العفو عن الإخوان” وإنه لا شك أن الثأر عادة مذمومة تفشت فى بعض المجتمعات والقبائل العربية منذ قديم الأزل، لكن الإسلام نبذ تلك العادة وحرمها إلا بالقصاص العادل، بل وضع شروطا لذلك، أما مايحدث بصورة عشوائية فالإسلام منه براء، فإنه لايوجد فى الإسلام مايسمى بالثأر، فقد وضع الله سبحانه وتعالي للجرائم الحدود والقصاص عقوبات، ولم يترك للناس تقديرها نظرا لأهميتها، وساوى بين الناس جميعا، فليس هناك فرق بين الناس.

 

سواء فى مراتبهم وأقدارهم، فهم متساوون، فلا فرق بين وضيع أو شريف ولا غني أو فقير ويقول الله تعالى ” كتب عليكم القصاص في القتلي الحر بالحر والعبد بالعبد” وإن الحاكم أو ولي الأمر يكون هو المسئول عن القصاص، فقد قال الله تعالى “ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب” وإن الأمر الآخر إن مما يشير إلى خطورة هذه الظاهرة، أن الدماء هي أول أمر يقضي الله سبحانه وتعالى فيه بين الناس يوم القيامة وهذا يدل على أن لهذه الدماء حرمة، والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول ” أول ما يقضي بين الناس يوم القيامة في الدماء” فالله سبحانه وتعالى قد توعد مرتكبها بالخلود في جهنم، وليس له توبة هذا عند بعض الفقهاء، الذين قالوا لا توبة للقاتل عمدا وعدوانا.

 

ومنهم ابن عباس، قال لأن هذه الآية كانت آخر ما نزل من آيات القرآن الكريم، فلم يوجد لها ناسخ، والآية هي ” ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما” ويقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم “كل ذنب عسي الله أن يغفره إلا الرجل يقتل المؤمن متعمدا أو الرجل يموت كافرا” ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لزوال الدنيا أهون علي الله من قتل امرئ مسلم بغير حق” ولهذا فإن الثأر عادة يجب اجتثاثها من المجتمع الإسلامى بشكل عام، ولقد كان رأي أمانة الفتوى بدار الإفتاء أن الدية شرعا هي المال الواجب في النفس أو فيما دونها، ودية القتل العمد تكون حال تنازل أولياء الدم جميعهم أو بعضهم عن القصاص، وتكون مغلظة وحالة في مال القاتل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى