مقال

الدكروري يكتب عن إياكم والخيانة.


الدكروري يكتب عن إياكم والخيانة.
بقلم / محمـــد الدكـــرورى

إن الخيانة خلق مذموم وهي صفة تنكرها الفطرة، وترفضها الطبيعة السوية، وهي صفة ذميمة، لا تفعلها إلا النفوس الضعيفة، أما النفوس العظيمة فهي تترفع عن مثل هذه الصفات، وهذه الخصلة قد ذمها الله في كتابه، وصاحبها غير محبوب عند الله عز وجل والخيانة هي الغدر ونقض العهد، والخيانة من سمات وعلامات المنافقين، والخيانة قاسية ومريرة ولكن الأقسى أن يخونك من تتوقع منه العون، والخيانة متى ظهرت في قوم فقد أذنت عليهم بالخراب، فلا يأمن أحد أحدا، ويحذر كل أحد من الآخر، فلا يأمن صديق صديقه، ولا زوج زوجه، ولا أب ولده، وتترحل الثقة والمودة الصادقة فيما بين الناس، وقد جاء في الأثر أنه لا تقوم الساعة حتى لا يأمن المرء جليسه، وينقطع المعروف فيما بين الناس مخافة الغدر والخيانة، والخيانة أمر مذموم في شريعة الله.

تنكرها الفطرة، وتمجّها الطبيعة السوية، ولا تقبلها حتى الحيوانات العجماوات، فالخيانة كلمة تجمع كل معاني السوء الممكن أن تلحق بإنسان، فهي نقض لكل ميثاق أو عقد بين إنسان وخالقه أو إنسان وإنسان أو بين الفرد والجماعة ، وقد قال الله تعالى “إن الله لا يحب الخائنين” ويقول تعالي ” وأن الله لا يهدي كيد الخائنين” وقرن الله عز وجل بين الخيانة والكفر في قوله عز وجل “إن الله لا يحب كل خوان كفور” والخيانة من سمات النفاق، فالخائن بالضرورة منافق، وإلا فكيف سيُخفي خيانته إلابالنفاق؟ وقد قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ” آية المنافق ثلاث، إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان ” وأشد الناس فضيحة يوم القيامة هم الخائنون فيقول النبى الكريم صلى الله عليه وسلم ” لكل غادر لواء يوم القيامة يقال هذه غدرة فلان ”

وهذا الخائن وإن اختفي بين الناس وإن عرف كيف يرتب أموره بحيث لا يُفتضح أمام عباد الله فأين يذهب يوم القيامة؟ وإن الخيانة مذمومة حتى مع الكفار، وحتى مع الخونة، ولهذا قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ” أدي الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك ” وجاء عثمان بن عفان بعبد الله بن سعد بن أبي سرح إلى النبي، وكان النبي صلي الله عليه وسلم قد أهدر دمه، فجاء به حتى أوقفه على النبي صلى الله عليه وسلم فقال “يا رسول الله، بايِع عبد الله” فرفع رأسه، فنظر إليه ثلاثا، كل ذلك يأبى، فبايعه بعد ثلاث، ثم أقبل على أصحابه فقال ” أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله؟ ” فقالوا ” ما ندري يا رسول الله ما في نفسك، ألا أومأت إلينا بعينك” فقال صلي الله عليه وسلم ” إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين ”

فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لم يرضي أن يتخذ الخيانة وسيلة حتى في حق كافر محارب لله ورسوله، فما مدى جرم أولئك الذين لا تكون خيانتهم إلا في مسلمين؟ وكيف بالذين لا تكون خيانتهم إلا في حق مؤمنين موحدين، لا يرقبون فيهم إلا ولا ذمة؟ وإن الخيانة موجوده في كل زمان ومكان، والخيانة موجودة في كل الأمم في وقت السلم، وتشتد في الحرب، ولم يسلم منهم زمان دون زمان ولا مكان دون مكان، بل لم يسلم منهم أفضل زمان بوجود أفضل رجل ورجال، زمن النبي صلي الله عليه وسلم وصحابته الكرام، فكيف بمن بعده؟ وعقيدتنا هي لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعدم تحقيق لا إله إلا الله في النفس وفي الغير وأنت مسلم خيانة لله، وتعطيل فرائض الله أو تعدي حدوده أو انتهاك محارمه وأنت مسلم خيانة لله، وأن يكون المسلم مطية لأعداء الله.

في تنفيذ مخططاتهم وما فيها من دمار للبلاد والعباد أو دليلا لهم على عوراتها خيانة ، والخيانة هنا هي خيانة الدين لا الفاحشة، قال ابن كثير”إن نساء الأنبياء معصومات عن الوقوع في الفاحشة لحرمة الأنبياء” وقال ابن عباس رضي الله عنهما “كانت خيانتهما أنهما كانتا على غير دينهما، فكانت امرأة نوح تطلع على سر نوح، فإذا آمن مع نوح أحد أخبرت الجبابرة من قوم نوح به، وأما امرأة لوط فكانت إذا أضاف لوط أحدا أخبرت به أهل المدينة ممن يعمل السوء، وهكذا فإن صلة الزوجية لم تنفع ولو كانت مع نبي، وإذا كانت الخيانة خلق ذميم وصفة سيئة فعلى المسلمين أن يتحلوا بالأمانة وأن يتخلوا ويقتلعوا من قلوبهم جذور الخيانة، فتربى القلوب على مخافة الله وخشيته، فقد كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يتفقد رعيته ليلا وإذا به يسمع امرأة تقول لإبنتها.

اخلطي الماء باللبن، فقالت البنت لقد نهانا عمر عن ذلك، فقالت أمها وما يدري عمر؟ قالت البنت إن كان عمر غائبا فإن ربه حاضر فتقع هذه الكلمة في قلبه، فيجمع ولده ويعزم على أحدهم أن يتزوج هذه الفتاة، فيتزوجها ولده عاصم، فيكون من ولده عمر بن عبد العزيز الذي ملأ الدنيا عدلا، ومن الخيانة في الأعراض النظرة الحرام، حيث قال تعالى ” يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور” والمسلم الحق يحرص على الحلال في مطعمه ومشربه، فلا غش ولا خداع ولا كذب، فجاء في الحديث أن رسول الله صلي الله عليه وسلم مر على صُبرة طعام، أي كومة، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللا، فقال ” ما هذا يا صاحب الطعام؟” قال “أصابته السماء يا رسول الله، قال صلي الله عليه وسلم “أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ من غش فليس مني ” رواه مسلم.

ومن قصص العرب أن رجلا كانت عنده فرس معروفه بأصالتها، سمع به رجل فأراد أن يسرقها منه، واحتال لذلك بأن أظهر نفسه بمظهر المنقطع في الطريق عند مرور صاحب الفرس، فلما رآه نزل إليه وسقاه ثم حمله وأركبه فرسه، فلما تمكن منه أناخ بها جانبا وقال له “الفرس فرسي وقد نجحت خطتي وحيلتي” فقال له صاحب الفرس “لي طلب عندك” قال “وما هو؟” قال “إذا سألك أحد كيف حصلت على الفرس؟ فلا تقل له احتلت بحيلة كذا وكذا، ولكن قل صاحب الفرس أهداها لي” فقال الرجل لماذا؟ فقال صاحب الفرس حتى لا ينقطع المعروف بين الناس، فإذا مر قوم برجل منقطع حقيقة يقولون لا تساعدوه لأن فلانا قد ساعد فلانا فغدر به” فنزل الرجل عن الفرس وسلمها لصاحبها واعتذر إليه ومضى، فلسانك أمانة إن حفظته من الكذب والغيبة والنميمة.

والسخرية بالناس والتجسس عليهم والقذف والفحش واستعملتَه في ذكر الله وتلاوة القرآن وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إن فعلت ذلك فقد أديت أمانة لسانك وجنبت نفسك عذاب الله في الدنيا والآخرة، وعيناك أمانة فإن جنبتهما النظر إلى ما حرّم الله واستعملتهما فيما يعود عليك بالنفع فزت دنيا وأخرى وأذناك أمانة فجنبهما الاستماع إلى ما يغضب الله من سماع اللهو والغناء والغيبة والنميمة، واستعملهما في الاستماع إلى الموعظة الحسنة وذكر الله وتلاوة كتابه، إذا فعلت ذلك فقد أديت أمانة أذنيك، ورجلاك أمانة، فلا تمشي بهما إلى أماكن اللهو والفسق والفجور وأماكن الظلم والزور والاعتداء والمنكر، ولكن سر بهما إلى صلاة الجماعة في المسجد وصلة الرحم والإصلاح بين الناس وإلى الجهاد في سبيل الله، ويداك أمانة، فلا تمدهما إلى ما يغضب الله.

واعمل بهما أعمالا تعود عليك بالنفع في الدنيا والآخرة، وإعلم أن البطن أمانة فلا تدخل فيه ما حرم الله من المال والفرج أمانة فقد مدح الله الحافظين لفروجهم، وأخبر أنهم مفلحون ومن أهل جنة الفردوس، فقال تعالى في سورة المؤمنون ” والذين هم لفروجهم حافظون إلا علي أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغي وراء ذلك فأولئك هم العادون”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى