مقال

الدكروى يكتب عن ثمرات الصدق من الله ” جزء 5″

جريدة الأضواء

الدكروى يكتب عن ثمرات الصدق من الله ” جزء 5″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الخامس مع ثمرات الصدق من الله، وكيف يكون لمثل هذا المجتمع رصيد من ثقافة أو تاريخ أو حضارة وأفراده يكذبون ويرجون للكذب؟ وكيف يوثق بنقل المعارف والعلوم إذا لم يكن الصدق أحد الأسس الحضارية التي يقوم عليها بناء المجتمع الإنساني؟ وكيف يوثق بنقل الأخبار والتواريخ إذا لم يكن الصدق أحد الأسس الحضارية التي يقوم عليها بناء المجتمع؟ وكيف يوثق بالوعود والعهود ما لم يكن الصدق أحد أسس التعامل بين الناس؟ وكيف يوثق بالدعاوى والشهادات مالم يكن الصدق أحد أسس التعامل بين الناس؟ ألا فلنعد إلى ما كان عليه سلفنا الصالح من صدق في المعاملات والبيع والشراء حتى نكون قدوة لغيرنا ودعوة للآخرين إلى الدخول في هذا الدين الحنيف، إننا إن فعلنا ذلك فزنا في الدنيا بالسعادة والثقة والطمأنينة والتراحم فيما بيننا.

وفي الآخرة بالجنة والمغفرة والثواب العظيم، وهكذا فإن الصدق أشرف الفضائل النفسية، والمزايا الخُلقية لخصائصه الجليلة، وآثاره الهامة في حياة الفرد والمجتمع فهو زينة الحديث، ورمز الاستقامة والصلاح، وسبب النجاح والنجاة، والصدق هو الطريق الأقوم, الذي به تميز أهل الإيمان عن أهل النفاق، وسكان الجنان من سكان النيران، وهو سيف الله في أرضه الذي ما وُضع على شيء إلا قطعه، ولا واجه باطلا إلا أزاله وصرعه، وهو روح الأعمال ولبها، ومن أجل ذلك أرشدنا ربنا سبحانه وتعالى إلى التمسك بهذا الخلق الطيب في كتابه الكريم، وحث على التزام الصدق رسوله العظيم صلوات الله عليه وسلامه، في نصوص أكثر من أن تعد في القرآن والسنة، فقد أمر ربنا في كتابه الكريم في أكثر من آية بالصدق، ومدح الصادقين، ووعدهم بالخير الكبير في الدنيا والآخرة.

لذلك مجدته الشريعة الإسلامية، وحرضت عليه، قرآنا وسنة، فالصدق خلق عظيم من أخلاق الأنبياء, ومن أهم أخلاق المسلم وصفات الداعية إلى الله تعالى, وهو الأساس الذي قام عليه هذا الدين العظيم, وهو ما عرف به صلى الله عليه وسلم في مكة, فما كان يُعرف حينئذ إلا بالصادق الأمين, وهو أيضا ما يُعرف به الأنبياء والمرسلون عليهم السلام, وقد أثنى الله تعالى على أنبيائه ووصفهم جميعا بالصدق، وإن الصدق يؤدي إلى الثقة والطمأنينة, والكذب يؤدي إلى الشك والريبة، وإن أعلى مراتب الصدق مرتبة الصديقية، وهي كمال الانقياد للرسول صلى الله عليه وسلم مع كمال الإخلاص للمرسل وإن الصديقية مرتبة عالية من مراتب الولاية والقرب من الله سبحانه وتعالى, والصديق كثير الصدق، الذي لم يصدر منه الكذب أصلا، الذي صدق بقوله واعتقاده وأعماله.

والصديقون قوم دون الأنبياء في الفضيلة، ودرجتهم تلي درجة النبيين، ورسول الإسلام محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، كان يلقّب بالصادق الأمين في مكة كما هو معروف ومشهور، وصاحبه ورفيقه وأول خلفاءه على المسلمين من بعده هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه وإن الصدق هو مطابقة القول للواقع، وهو الوفاء لله بالعمل، والقول بالحق في مواطن الهلكة، ويطلق الصدق على معان كثيرة منها الصدق في القول، فلا يتكلم إلا بالصدق، والصدق باللسان أشهر أنواع الصدق وأظهرها، وينبغي للعبد أن يراعي معنى الصدق في ألفاظه التي يناجي بها ربه، فإن كان قلبه منصرفا عن الله، مشغولا بالدنيا، فهو كاذب، ومنها الصدق في النية والإرادة، وذلك يرجع إلى الإخلاص، فإن فقد ذلك بطل صدق النية، ومنها الصدق في العزم والوفاء به.

كأن يقول إن آتاني الله مالا تصدقت به ونحوه، ومنها الصدق في الأعمال، وهو أن تستوي سريرته وعلانيته في جميع أعماله، ومنها الصدق في مقامات الدين كالصدق في الخوف والرجاء، والزهد والحب، والتوكل على الله ونحو ذلك، وكل من عامل الله بالصدق استأنس به، واستوحش من الخلق، ومن علامات الصدق هو كتمان الطاعات والمصائب جميعا, وكراهة اطلاع الخلق على ذلك، ومقام الصديقين مقام رفيع، ومع علو هذا المقام فهو بفضل الله ميسور لمن أراده، وليس وقفا على أفراد، ولا على طائفة، فكل من يحقق إيمانه بالله ورسله فله حظ في هذا المقام الرفيع، وإن الصادق مطلوبه هو رضا ربه، وتنفيذ أوامره، وتتبع محابه، فهو متقلب فيها يسير معها حيث سارت، فبينما هو في صلاة، إذ رأيته في ذكر، ثم في غزو، ثم في حج، ثم في إحسان إلى الخلق.

ثم في أمر بالمعروف، ثم في نهي عن منكر، أو في عيادة مريض، أو تشييع جنازة أو نصر مظلوم, أو غير ذلك من القرب والطاعات وأعمال البر المختلفة، وإن الصدق سجية كريمة تدل على سلامة الفطرة للمتصف بها، وثقته بنفسه وبُعده عن التكلف والتصنع، وقد اعتبر الإسلام الصدق أساس كل الخير وأن الإسلام يؤكد على الصدق أكبر تأكيد ويحث الناس على ملازمته ولو كان مظنة لإضرار يسير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى