مقال

الدكروري يكتب الإبتلاء بالشك والريبة ” جزء 1″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب الإبتلاء بالشك والريبة ” جزء 1″
بقلم / محمــــد الدكــــرورى

أحسب الأبرار والأخيار والصالحون والعلماء والدعاة والمسلمون أن الإسلام ادعاء، وأن لا إله إلا الله كلمة تقال فقط، إذا كان يدّعيها المدّعي، ويفتري بها المفتري، ولا يُميز بين المؤمن والمنافق، والصادق والكاذب، ولكن أبى الله تعالي إلا أن يميز بين الصنفين، فإن الابتلاء يكون في الخير والشر، فالابتلاء بالخير أشد وأثقل من الابتلاء بالشر, فقد زين الله سبحانه وتعالى الخير للإنسان وجبله عليه, فالخير دائما مزين محفوف بالشهوات تتطلبه النفس الامارة سواء أكان حلالا أم حراما فهو من أهم حبائل الشيطان ومكايده ولا يخفي على أحد مدى قوة إبليس في الإغواء والتزين، فإن المبتلى بالضراء يسهل عليه الصبر والاحتمال فليس أمامه سوى الصبر ولا يوسعه إلا الرضا, ولا تتحقق له الراحة إلا بالقناعة والمبتلى بالفقر لا يستطيع شرب الخمر لأنه لا يملك ثمنها.

وليس بإمكانه منع زكاة لأنها لم تجب عليه ولا يستطيع التكبر لأنه لا يملك هذا بخلاف من يستطيع أن يرتكب مثل هذه المعاصى لأنها في إمكانه وتحت طائلته وفي مقدرته، فكثيرون يصبرون على الابتلاء بالمرض والضعف ولكن قليلون هم الذين يصبرون على الابتلاء بالصحة والقدرة, كثيرون يصبرون على الفقر والحرمان فلا تتهاوى نفوسهم ولا تزل ولكن قليلين هم الذين يصبرون على الثراء، ويقول ابن عوف ابتلينا بالضراء فصبرنا وابتلينا بالسراء فلم نصبر ويقول أحد السلف كنا فقراء متآخين فلما تغانينا وتغانينا حمل بعضنا السيف على بعض، وإن من الأمراض الخطيرة التي ابتلينا بها في هذا العصر هو مرض الشك والريبة، ودخول الشك الاعتقادي والضعف الإيماني والريب إلى النفوس والقلوب وإن الشك هو التوقف في الأشياء اليقينية المسلم بها.

وعدم القطع فيها، وريبة النفوس منها، وإدخال الشكوك إليها، وهذا المرض الخطير دب إلى نفوس الكثيرين منا، وتمكن من قلوبهم ودخل إلى صدورهم، وصار أساس الاعتقاد عند بعضهم بهذا المعتقد الفاسد المرتاب، ولقد ذم الله الشك والريب وكلاهما بمعنى متقارب لأن الريب ينبعث من قلق النفس واضطرابها فيتبع ذلك من ضعف الإيمان في النفوس وعدم اليقين بالله واليوم الآخر الشيء الكثير وذكر الله عز وجل أنه لا يهدي أهل الشك والريب ولا يوفقهم للاستقامة والثبات، وإن الشك والريب ذكرهما الله عز وجل في كل الآيات في القرآن الكريم مقترنا بأهل الكفر والطغيان، وبيّن أنهم أهل شك وريب، فقال عنهم أنهم قالوا لأنبيائهم كما جاء في سورة هود “ولقد آتينا موسي الكتاب فاختلف فيه ولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم وإنهم لفي شك منه مريب”

وقال تعالي أيضا ” وإننا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب” فهذه الآيات كلها وصف لذلك النوع من الشك الذي يقض المضاجع، ويجعل أصحابه في حيرة من أمرهم، ويوقعهم في اضطراب وقلق، وكل ذلك متسق مع المقام الذي يتحدث عن أولئك المشككين، الغارقين في الحيرة، والواقعين في قلق واضطراب من أنفسهم، وهو حال أغلب المشركين والكفار لذلك جمعت الآيات بين الأمرين الشك والريب لأنهم جمعوا بين الأمرين الشك الذي يدل على التردد وعدم اليقين، والريب الدال على التخبط والاضطراب والتكذيب والاتهام، بل لو لاحظتم في القرآن لوجدتم أن الله عز وجل يؤكد على المسائل العقدية الكبرى التي يجب الإيمان واليقين بها بقوله تعالي ” لا ريب فيه” فحينما حدثنا في بداية سورة البقرة عن القرآن قال ” ذلك الكتاب لا ريب فيه هدي للمتقين”

وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال بعثَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية، فصبّحنا الحرقات من جهينة، فأدركت رجلا فقال لا إله إلا الله، فطعنته، فوقع في نفسي من ذلك، فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أقال لا إله إلا الله، فقتلته؟ ” قال قلت يا رسول الله، إنما قالها خوفا من السلاح، فقال ” أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟ ” فما زال يكررها عليّ حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ، ولعلنا نقترب من بيوت النبوة لنرى بعض المشاهد التي دونتها كتب السنة، وحفظت لنا شيئا من عشرة النبي صلى الله عليه وسلم مع أهل بيته ليتضح لنا بعد ذلك عظمة الخُلق، وبساطة الحياة، ومثالية القوامة، وأول إطلالة نقترب منها هي مع أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها حينما تواردت عليها سؤالات الناس.

ماذا كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته عندك؟ فأجابت رضي الله عنها “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ألين الناس، وأكرم الناس، كان رجلا من رجالكم إلا انه كان ضحّاكا بسّاما، كان يكون في مهنة أهله يخصف نعله، ويرقع ثوبه، ويخدم نفسه، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة” فإن هذه الكلمات المعدودات هي وصف وجيز بليغ فما أحوجنا أن نتمثل هذا الخُلق مع أهلنا في منازلنا في هذه الأيام، فيجلس النبي صلى الله عيه وسلم في بيت السيدة عائشة رضي الله عنها، يتبادلان الحديث في جو هادي مفعم بالمودة فلم يفجأهم إلا طرقات الباب، وإذا هو خادم أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها يحمل بين يديه طعاما صنعته زينب للنبي صلى الله عليه وسلم فتحركت في قلب عائشة غيرتها، واضطرب في كوامنها ما تجده كل امرأة بفطرتها وغريزتها تجاه ضرّتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى