مقال

الدكروري يكتب عن ظاهرة الفساد فى الأرض ” جزء 3″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن ظاهرة الفساد فى الأرض ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثالث مع ظاهرة الفساد فى الأرض، ولقد كان النهي عن الفساد وظيفة مهمة للرسل عليهم الصلاة والسلام، فنبى الله صالح عليه السلام قال لقومه كما جاء فى سورة الأعراف ” فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا فى الأرض مسرفين” ونبى الله شعيب عليه السلام قال لقومه كما جاء فى سورة هود ” ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا فى الأرض مفسدين ” ونبى الله لوط عليه السلام قال لقومه كما جاء فى سورة العنكبوت ” رب انصرنى على القوم المفسدين ” وهكذا حارب المرسلون الفساد، وهتكوا أستار المفسدين، وكان الناهون عن الفساد بقية من القرون يستحقون الإشادة والفضل، فقال الله تعالى فى سورة هود ” فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد فى الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم ” وإن المفسدون لهم اللعنة ولهم سوء الدار، وأهل الفساد يزدادون عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون.

 

ولا يستوي بحال أهل الإصلاح وأهل الإفساد، فقال الله تعالى فى سورة ص ” أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين فى الأرض ” وإن المنافقون غارقون في الفساد، مزيفون للحقائق، ليسوا أصحاب فساد فحسب، بل يلبّسون على الناس، ويظهرون باسم الإصلاح، فتتعدد صور الفساد، فهناك فساد في القيم، وآخر في الذمم، وهناك فساد فردي وجماعي، فساد على مستوى الكبار والصغار، وهناك فساد ظاهر وباطن، وهناك فساد ذكوري وأنثوي، وهكذا تتنوع صور الفساد، ومهما وضعت هيئات لمكافحة الفساد، أو وجدت رقابة على المفسدين، فيبقى حياة الضمائر، والخوف من الجليل، وكره الفساد والمفسدين، والجرأة في إنكار الفساد، ومحاصرة المفسدين، والوعي بحجم الفساد وأثر المفسدين هي الضمانات الأقوى لمحاربة هذا الداء العضال، وخنوس المفسدين.

 

على أن أهل الإسلام يفترض أن يكونوا أقل البيئات لنمو الفساد، فلديهم من حرمات الشريعة، وتعظيم الشعائر، والأوامر والنواهي الربانية ما يطرد الفساد، وويل للشعوب والأمم إذا حل الفساد بأهل العقائد والذمم، وويل لمن يؤتمن ثم يخون، وهنا يحق للمتعوذ أن يتعوذ من الفساد كما جاء فى سورة الممتحنة ” ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا ” فعليكم بمقاومة نزغات الفساد في ذوات أنفسكم، ولا ترضوه من غيركم، وإن أي أمة أو شعوب يسري فيها الفساد فلا تستنكر، ليست خليقة بالبقاء، ولا مؤهلة للريادة، وبقدر ما ينتشر الفساد في المجتمعات فهذا مؤشر لكثرة المبطلين، وضعف الخيرين، وكلما رشدت المجتمعات واهتدت بنور السماء، تقلص حجم الفساد وتوارى المفسدون، وحين يحيط الفساد بالقدوات والنخب، فذلك مؤشر على عمق الفساد، واتساع دائرة المفسدين، ومزيد الحاجة للاستنفار للتغيير للأصلح.

 

فإننا جميعا مسؤولون عن محاربة الفساد، ومقاومة المفسدين، وإذا رأى الناس الظالم ثم لم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده، هكذا ورد الأثر، ويشهد الواقع، ويوم أن يصاب الناس بالخذلان والأنانية، وحب الذات والجشع، مع ضعف في الإنكار، واستمراء للمنكر، فتلك مقومات للإصلاح، والله يحكم لا معقب لحكمه، فإن الذين يقومون بمهمة النهي عن السوء موعودون بالنجاة والخلاص دون غيرهم، فقد قال الله عز وجل فى كتابه الكريم عنهم فى سورة الأعراف ” فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كان وا يفسقون ” ولقد جاءت آيات كثيرة في كتاب الله عز وجل، تنهى عن الإفساد في الأرض، فقال تعالى فى سورة الأعراف ” ولا تفسدوا فى الأرض بعد إصلاحها ” وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في تفسير هذه الآية أنه قال أكثر المفسرين.

 

لا تفسدوا فيها بالمعاصي والدعاء إلى غير طاعة الله، بعد إصلاح الله إياها ببعث الرسل، وبيان الشريعة، والدعاء إلى طاعة الله، فإن عبادة غير الله والدعوة إلى غيره، والشرك به، هو أعظم فساد في الأرض، بل فساد الأرض في الحقيقة إنما هو بالشرك به، ومخالفة أمره، فقال الله تعالى فى سورة الروم ” ظهر الفساد فى البر والبحر بما كسبت أيدى الناس ” وبالجملة فالشرك والدعوة إلى غير الله، وإقامة معبود غيره، ومطاع متبع غير رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أعظم الفساد في الأرض، ولا صلاح لها ولا لأهلها إلا أن يكون الله وحده هو المعبود، والدعوة له لا لغيره، والطاعة والاتباع لرسوله صلى الله عليه وسلم ليس إلا، وغيره إنما تجب طاعته إذا أمر بطاعة الرسول، فإذا أمر بمعصيته وخلاف شريعته فلا سمع له ولا طاعة، فإن الله أصلح الأرض برسوله صلى الله عليه وسلم، ودينه، وبالأمر بتوحيده.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى