مقال

الدكروري يكتب عن الإمام بدر الدين الشوكاني ” جزء 5″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام بدر الدين الشوكاني ” جزء 5″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ولقد أدى التغريب التربوي إلى وجود واقع تربوي لا هوية له، في حين أن الأمة الإسلامية في حاجة إلى العودة إلى مناهل الفكر التربوي الإسلامي المنسجم مع عقيدتها وثقافتها وواقعها، وكان الإمام محمد بن علي الشوكاني من نماذج الفكر المتجدد في عصره، وصاحب فكر تربوي متميز يتصل بالطبيعة الإنسانية والمعرفة والمجتمع، وآرائه حافلة بالاتجاهات التربوية المعاصرة، وكان الشوكاني هو زيدي المذهب ولكنه خلع ربقة التقليد لمذهبه، وعمره لا يزيد على الثلاثين، وأصبح من كبار المجتهدين المتأخرين، فهو نموذج من نماذج اليقظة الإسلامية المعاصرة، وكان الشوكاني معاصرا للشيخ محمد بن عبد الوهاب ومتناغما مع دعوته، بل وسابقا لسائر رجال اليقظة الإسلامية الحديثة، حتى أن أحمد أمين صاحب كتاب زعماء الإصلاح في العصر الحديث.

 

واعتبر الشوكاني ممثلا لدعوة محمد بن عبد الوهاب وإن لم يتلقاها عنه، ويعتبر محمد صديق خان وهو واحدا من تلاميذ الشوكاني، فقد كان هذا المفكر أمير لمملكة بهويال بالهند، وكان مهتما بنشر تراث أستاذه، ويمكننا اعتبار الشوكاني أحد أعلام ورواد المدرسة السلفية الاجتهادية التي تنبذ التقليد وتأخذ بأرجح الأدلة من أي مذهب كان وفق أصول الكتاب والسنة الصحيحة الثابتة، ويقول الشوكاني في كتاب أدب الطلب، كنت بعد التمكن من البحث عن الدليل والنظر في مجاميعه أذكر في مجالس شيوخي ومواقف تدريسهم وعند الاجتماع بأهل العلم ما قد عرفته من ذلك لاسيما عند الكلام في شيء من الرأي مخالف الدليل أو عند ورود قول عالم من أهل العلم قد تمسك بدليل ضعيف وترك الدليل القوي أو أخذ بدليل عام وبعمل خاص أو بمطلق وطرح المقيد أو بمجمل ولم يعرف المبين أو بمنسوخ.

 

ولم ينتبه للناسخ أو بأول ولم يعرف بآخر أو بمحض رأي ولم يبلغه أن في تلك المسألة دليلا يتعين عليه العمل به فكنت إذا سمعت بشيء من هذا لاسيما في مواقف المتعصبين ومجامع الجامدين تكلمت بما بلغت إليه مقدرتي، وأقل الأحوال أن أقول استدل هذا بكذا وفلان المخالف له بكذا ودليل فلان أرجح لكذا، فمازال أسراء التقليد يستنكرون ذلك ويستعظمونه لعدم الفهم به وقبول طبائعهم له حتى ولد ذلك في قلوبهم من العداوة والبغضاء ما الله به عليم، وقد ألف الشوكاني رسالة بعنوان القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد، وفيها عرف التقليد فقال قبول قول الغير من دون مطالبة بحجة، وقال وشأن المقلد ألا يبحث عن دليل بل يقبل الرأي، ويترك الرواية، ومن لم يكن هكذا فليس بمقلد، وقال فلو لم يكن من شؤم هذه التقليدات، والمذاهب والمبتدعات، إلا مجرد هذه الفرقة بين أهل الإسلام مع كونهم أهل ملة واحدة ونبي واحد وكتاب واحد.

 

لكان ذلك كافيا في كونها غير جائزة، وكما ناقش الشوكاني مقولة أن سؤال أهل الذكر هو سؤال من لا علم له لأهل الذكر الأعلم منه، مما يفيد جواز التقليد، ورد عليها بما يفيد أنها تعني سؤال أهل القرآن والسنة، وهذا ليس بتقليد لأنه تجاوز للسؤال عن مذهب المقلد، وكما فسر سؤال آية الذكر بأنها قد نزلت ردا على المشركين الذين أنكروا كون الرسول صلي الله عليه وسلم مبشرا، كما ذهب إلى ذلك السيوطي في الدر المنثور، حيث قال تعالى في سورة الأنبياء ” وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون” ويلخص الشوكاني قضية التقليد المذموم والتعصب للمذاهب بقوله فإن قلت فما الطريقة المنجية إذن؟ قلت طريقة خير القرون ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، وهي العمل بحكم الكتاب والسنة، والوقوف عن متشابهها.

 

كما أمرك الله، من دون محاباة على مذهب، فيكون مذهبك الإسلام جملة، وسلفك ومحاماتك على الكتاب والسنة، فإن كنت لهذه النصيحة أهلا فعض عليها بالنواجذ، فإني قطعت شطرا من عمري في تحقيق الدقائق، وتدقيق الحقائق، ولم أقف على منهل، فتارة أخوض معارك علم المعقول، وحينا أمارس دقائق فحول أئمتنا أئمة الأصول، وآونة أرتب البراهين، وأركب القوانين، وبعد هذا كله تراجع اختياري إلى الاستحسان ما إليك أرشدتك، أرشدني الله وإياك، وتوفي الإمام الشوكاني في ليلة الأربعاء السابع والعشرين من شهر جمادى الآخرة سنة ألف ومائتان وخمس وخمسين من الهجرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى