مقال

الدكروري يكتب عن الإمام إبن ناصر الدين الدمشقي ” جزء 1″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام إبن ناصر الدين الدمشقي ” جزء 1″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

الإمام إبن ناصر الدين الدمشقي، الإمام العلامة الأوحد الحجّة الحافظ مؤرخ الديار الشامية وحافظها، هو ابن ناصر الدين محمد بن عبد الله أبي بكر بن محمد بن أحمد بن مجاهد القيسي الدمشقي الشافعي، شمس الدين، الشهير بابن ناصر الدين، هو محدث ومؤرخ من بلاد الشام، وولد الإمام إبن ناصر الدين الدمشقي بدمشق في العشر الأول من شهر محرم سنة سبعمائة وسبع وسبعين من الهجرة، وولي مشيخة دار الحديث الأشرفية سنة ثماني مائة وسبع وثلاثين من الهجرة، وقتل شهيدا في إحدى قرى دمشق، وقيل نشأ الإمام إبن ناصر الدين الدمشقي في أسرة علمية، فقد قال النجم ابن فهد في وصف والده هو الشيخ الإمام العالم الهمام بهاء الدين أبو بكر عبد الله، فيبدو أن والده قد وجهه لطلب العلم منذ صغره، فبدأ بحفظ كتاب الله وعدة متون في الحديث وغيره، فسمع الحديث في صغره من الحافظ أبي بكر بن المحب، وكانت له عناية خاصة بعلم الحديث.

 

فلازم الشيوخ، وكتب الطباق، وسمع من خلق منهم بدر الدين بن قوام، ومحمد بن عوض، والعز الأبناسي، وابن غشم المرداوي, والصدر المماوي، ونجم الدين بن العز، وبرهان الدين بن عبد الهادي، وأبو هريرة بن الذهبي، وغيرهم، وكان من أقران الحافظ ابن حجر، فقرأ على الحافظ ابن حجر، وقرأ ابن حجر عليه، فصنف في الحديث، وصار حافظ الشام بلا منازع، وأجاز له الحافظ العراقي، والسراج بن الملقن وغيرهما، ولم يقتصر علمه على الحديث بل تعداه إلى فنون أخرى، فأخذ العربية عن البانياسي وغيره، والفقه عن ابن خطيب الدهشة، والسراج البلقيني، ولم يقتصر في أخذ العلم عن أهل بلده، فجرى على سنن أهل الحديث في الرحلة في طلبه، فرحل إلى بعلبك وحلب ومكة وغيرها ولم يتيسر له السفر إلى الديار المصرية، أما الرحلة إلى بعلبك فكانت بصحبة أحمد بن محمـد الفولاذي فسمع على شيوخها.

 

ومما سمعه هناك صحيح الإمام مسلم على تاج الدين ابن بردس، وسافر إلى حلب عدة مرات، وسافر بآخرة سنة بصحبة تلميذه النجم بن فهد المكي، وقرأ في حلب على حافظها برهان الدين سبط ابن العجمي عدة أجزاء حديثية، وسمع أيضا من قاضي حلب ومؤرخها ومحدثها علي بن خطيب الناصرية كتاب المنتقى من مسند الحارث بن أبي إسامة، وحج قبل ذلك فسمع بمكة من محدث مكة الجمال بن ظهيرة، وزار أيضا المدينة المنورة وسمع من علمائها، وطلب الحديث، وجود الخط على طريقة الذهبي بحيث صار يحاكي خطه، وصنف عدة تصانيف، وتخرج به نجم الدين عمر بن فهد المكي وصار محدث البلاد الدمشقية، وقال عنه الإمام المقريزي أنه طلب الحديث، فصار حافظ بلاد الشام من غير منازع، وصنف عدة مصنفات، ولم يخلف في الشام بعده مثله، ولم يعكف ابن ناصر الدين الدمشقي على التأليف فقط، بل نشر علمه وتصدى للتدريس والخطابة والإمامة.

 

وقال التقي ابن فهد المكي وولي مشيخة دار الحديث الأشرفية بدمشق فأملى به وجمع وألف وخرّج وصنف، وذكر النجم ابن فهد أنه ولي رحمه الله الإمامة والخطابة بالجامع الناصري في مسجد القصب في دمشق من أول ما أنشىء واستمر على ذلك حتى وفاته، ودافع ابن ناصر الدين الدمشقي عن شيخ الإسلام ابن تيمية وحصلت له نتيجة ذلك محنة عظيمة، فقد قام العلاء البخاري بتبديع ابن تيمية وتكفيره، وكان إذا سُأل عن مقالات ابن تيمية وكتبه ينفر منها ويحكم على آرائه بالزلل والخطأ ووصل به الأمر إلى أن من وصف ابن تيمية بأنه شيخ الإسلام فهو كافر، فهنا وقف ابن ناصر الدين الدمشقي موقف العالم المنصف فجمع كل الأقوال التي وصفت ابن تيمية بأنه شيخ الإسلام ممن عاصر ابن تيمية أو جاء بعده، فبين الصواب من دون تعصب أو إجحاف، وصنف في ذلك كتابا سماه الرد الوافر على من زعم أن من أطلق على ابن تيمية أنه شيخ الإسلام كافر.

 

فقام العلاء البخاري فكتب كتابا إلى السلطان بالغ فيه في ثلب ابن ناصر الدين الدمشقي والحط من مكانته بسبب تصنيفه هذا الكتاب، فأحال السلطان القضية إلى قاضي الشام الشهاب ابن المحمرة، وكان القاضي أيضا ممن أنكر على ابن ناصر الدمشقي تصنيفه هذا الكتاب، وممن أنكر على ابن ناصر الدين الدمشقي التقي ابن قاضي شهبة حتى إن تلميذه البلاطنسي رجع عن الأخذ عنه، كل ذلك عنادا ومكابرة، وكانت هذه المحنة سنة ثماني مائة وخمس وثلاثين من الهجرة، ولكنهم لم يصلوا إلى مبتغاهم، ومن آثاره هو كتاب جامع الاثار في مولد المختار، وطبع بتحقيق من رفيق حميد طه السامرائى، وافتتاح القاري لصحيح البخاري، وعقود الدرر في علوم الأثر، والرد الوافر على من زعم أن من سمى ابن تيمية شيخ الإسلام كافر، وطبع بتحقيق من زهير الشاويش، وبرد الأكباد عن فقد الأولاد، وشرح منظومة الاصطلاح، ومختصر إعراب القرآن، للسفاقسي، وريع الفرع، في شرح حديث أم زرع، وبديعة البيان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى