مقال

الدكروري يكتب العلم في نظر الإسلام

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب العلم في نظر الإسلام

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن الحضارة الإسلامية بنظمها التي نشأت وتطورت في كنفها لم تكن حضارة متعالية متغطرسة على غيرها من الحضارات حيث اقتبس المسلمون ما وجدوه ملائما ونافعا لهم وطوروا ما عرفوه من نظم وأساليب حياتية وهم في ذلك الوقت أفسحوا المجال للجميع كي يسجلوا إضافاتهم في تلك الحضارة، كما أنهم أعطوا الفرصة لغير المسلمين في الإسهام معهم، وعملوا جنبا إلى جنب مع علماء المسلمين وحظوا بالتقدير من حكام المسلمين وخلفائهم، وليس المهم في نظر الإسلام هو العلم والسعي في التحصيل، وإنما يراد من وراء ذلك ما هو أهم، وهو العمل بالعلم، وتحويله إلى سلوك واقعي، يهيمن على تفكير المتعلم وتصرفاته، وإذا كانت الأموال تقتنى لإنفاقها، فإن العلم يراد للعمل.

 

فكان طلب العلم من أشرف الأعمال وأجل العبادات التي يتقرب بها إلى رب الأرض والسموات، وقد تواترت الآيات والأحاديث بفضله وجلالة قدره، وإن العقل من عظيم نعم الخالق على المكلف من عباده المخلوقين إذ بالعقل يتميز الإنسان عن غيره من الكائنات المحيطة به، وتقول الحكمة العقل السليم في الجسم السليم، وهذا فيما يختص بسلامة الدنيا من أمور العمل والكسب والتعمير، التي قد يتساوى فيها المسلم وغيره، وإن العقل هو الذي يفهم الدين، وهو الذي يتميز به المسلم عن غيره، بل قد يتميز به المسلمون بعضهم على بعض، فمنهم قريب وأقرب، وبعيد وأبعد، فإن الله تعالى اختص العالمين الإنس والجن على غيرهم بالعقل والاختيار، والعلم والإدراك، والتعلم والتعليم، والذوق والتذوق.

 

ويعد الذوق والتذوق من أعظم الميزات التي تميز هذين العالمين عن غيرهما، فمن فسد عنده الذوق والتذوق، نزل إلى أحط المنازل، غير أنه يمشي على رجلين، وله رأس تحمل عينين، وأنفا وأذنين، تماما مثل الآدميين، حيث قال الله تعالى فى سورة الأعراف ” أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون” فإذا فقد الإنسان العقل السليم الذي يقوده إلى الخير، ويبعده عن الشر، فقد أصبح كالبهيمة التي تأكل وتشرب ولا تعقل شيئا بل إنها خير منه، وعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “إن الله كريم يحب الكرم، ويحب معالي الأخلاق، ويكره سفسافها” أي دنيئها وخسيسها، رواه الحاكم، وقال ابن حبان وإن محبة المرء المكارم من الأخلاق وكراهته سفسافها، هو نفس العقل.

 

فالعقل به يكون الحظ، ويؤنس الغربة، وينفي الفاقة، ولا مال أفضل منه، ولا يتم دين أحد حتى يتم عقله، وهو من أفضل مواهب الله لعباده، وهو دواء القلوب، ومطية المجتهدين، وبذر حراثة الآخرة، وتاج المؤمن في الدنيا، وعُدته في وقوع النوائب، ومن عدم العقل لم يزده السلطان عزا، ولا المال يرفعه قدرا، ولا عقل لمن أغفله عن أخراه ما يجد من لذة دنياه، فإن العقل اسم يقع على المعرفة بسلوك الصواب، والعلم باجتناب الخطأ، فإذا كان المرء في أول درجاته يسمى أديبا، ثم أريبا، ثم لبيبا، ثم عاقلا، أي تناهى عقله، وكمل فهمه وحلمه، ويقال إنه لا يتغير غالبا عما يكون عليه وهو ابن الأربعين، وإن حد العقل ينطوي فيه فعل الطاعات والفضائل، واجتناب المعاصي والرذائل.

 

وقد نص الله عز وجل في كتابه على أن من عصاه لا يعقل، فقال تعالى فى سورة الملك ” وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا فى أصحاب السعير” وإن حد الحُمق هو استعمال المعاصي والرذائل، وهو ضد العقل، ولا واسطة بين الحمق والعقل إلا السخف، وقد أمر الشرع باستعمال العقل وعدم تعطيله، بل ذم من لا يتفكر بعقله الأمور، ولا يتدبر في الآيات مِن حوله، وتوعده بويل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى