القصة والأدب

قصة سيدنا لوط …

جريدة الاضواء

بقلم احمدفاروق الوليلي
قصة سيدنا لوط …

سيدنا لوط عليه السلام في الأصل كان من نفس قرية سيدنا إبراهيم .. والأكتر إنه كان قريب سيدنا إبراهيم [قيل إنه كان ابن أخو سيدنا إبراهيم عليه السلام , وقيل كان ابن عمه ]

لما نزلت الرسالة على سيدنا إبراهيم عليه السلام وإبتدا يدعو قومه .. سيدنا لوط عليه السلام كان من أول الناس الي آمنت بـ عمه إبراهيم.. (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ) .. [آية 26 : سورة العنكبوت]
[أغلب الظن إنه الوحيد هو والسيدة ساره الي آمنوا برسالة سيدنا إبراهيم عليه السلام في القرية دي ]
بعد كل إللي حصل لسيدنا إبراهيم أثناء دعوته , ربنا نجّاه من قَومه وهاجر هو وزوجته ومعاهم سيدنا لوط بإتجاه أرض الشام .. { وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} .. [آية 71 : سورة الأنبياء ]

سيدنا لوط عليه السلام ساب عمه وإتجه لقرية إسمها ( سدوم / في وادي الأردن ) .. في الوقت ده ربنا أنزل عليه النبوة فـ بقى مُكلّف هو كمان بدعوة قوم آخرين هُم أهل سدوم والقُرى إللي حواليها [ يُقال إنهم كانوا 7 قُرى]

أهل سدوم كانوا أسوء ناس ممكن تقابلهم أو تسمع عنهم , كانوا بيعملوا كل ذنب ممكن تتخيله بدون أي إحساس بالذنب.. وكان إللي بيؤمرهم بالمعروف أو ينهاهم عن المُنكر يبقى هو إللي منبوذ ومايسلَمش من أذيّتهُم …

الأبشع من كل المعاصي الي كانوا بيعملوها إنهم زوّدوا عليها كبيرة من الكبائر محدش عملها قبلهم , إخترعوا فاحشة من أكبر الفواحش إللي بقى عليهم ذنبها وذنب من عملها من بعدهم إلى يوم القيامة لأنها أصلاً لم تكن تخطر على بال أحد في البشرية قبلهم وأصبحت موجودة بسببهم ..
قال تعالى {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ}..
الفاحشة هي إستبدال الإناث بالذكور .. فـ نشوفهم نلاقيهم شهوة الراجل للراجل فيهم أكبر بكتير من شهوته لأي أنثى ..
{إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ} .. [آية 81 : سورة الأعراف]

أصبح الرجال هُم الأهداف المرغوبة , وأي حد طبيعي نقي يتنزّه عن أفعالهم وآثامهم يبقى في نظرهم مُجرم يستاهل الطرد والعقوبة! .. {أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} ..

لدرجة إن أي شخص يمر بالصدفة من مدينتهم [ مُسافر أو ضيف أو غريب] مايسلمش منهم ومن أذيّتهم..
كانوا زي المرضى اللي رافضين يتعالجوا .. كانوا بيجاهروا بالمعصية ويفتخروا بيها ويعملوها في كل مكان حتى في الطُرقات والنوادي ..(النادي هو المكان إللي بيجتمعوا فيه بالنهار يتناقشوا ويتشاوروا ويتكلموا .. )
{أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ} .. [ آية 29 : سورة العنكبوت]

سيدنا لوط كان بيحاول يوجّههم للفِطرة السليمة اللي ربنا خَلقنا عليها , إستنكر عليهم مَيلهم للرجال وتَركُهم للإناث إللي ربنا مهيئها ليهم .. {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} .. [سورة الشعراء]

قلب سيدنا لوط كان بينفطر من الحزن بسبب تصرفاتهم .. هو رسول مبعوث ليهم بالهُدى , لكن أيّ هُدى لناس زي دول؟ ..
فـ كان الحال إن محدش آمن بدعوته غير أهل بيته .. {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ } .. [آية 36 : سورة الذاريات]
ومش كل أهل بيته كمان .. لإن زوجة سيدنا لوط كفرت وكتمت كفرها .. أظهرت الإيمان لكن من جواها كانت كافرة بدين سيدنا لوط ومش مُقتنعة بـ دَعوته.. [زوجته دي كانت من أهل سدوم أصلا .. إتجوزها بعد ما إستقر في سدوم .. لان كانت زوجته الأولى أم بناته تَوَفّت]

قوم سيدنا لوط مش بس كفروا بـ رسالته دول كمان تمادوا في أفعالهم وزَوّدوا كبائرهم فـ بقوا يهددوا سيدنا لوط , إما يسكت عن دعوتهم ويبطّل يكلمهم عن الطهارة والقِيَم والأخلاق والفضائل ويدعوهم لله الواحد , أو هيعاقبوه ويطردوه هو وأهله من البلد .. {قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ}.. [ آية 167 : سورة الشعراء ]

كان رد سيدنا لوط عليهم رد ثابت على الحق بلا أدنى خوف أو تردد .. صمم على موقفه وأعلنها صراحةً إنه ضد إللي بيعملوه وهيفضل ضده , يبغضه يكرهه ويرفضه ويتبرأ منه ..{قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ} .. [ آية 168 : سورة الشعراء ]
وبعدها لجأ لـ ربه بالدعاء إنه ينجّيه ويحميه من شر أعمالهم .. {رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ} .. [ آية 169 : سورة الشعراء ]
لكن هُمَّ فضلوا في اللي هُمَّ فيه .. وزادوا فيه أكتر وأكتر , وصل بيهم الحال إنهم مش شايفين غير شهوتهم وبس .. مش قادرين يفوقوا ومش عايزين يفوقوا
آخرة إيه الي بيتكلم عنها النبي؟! .. خلاص هُمَّ هَمهم الوحيد الدنيا وبس ..
قالوله {ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} .. [ آية 29 : سورة العنكبوت ]
فـ حق عليهم العذاب .. وإستجاب الله دعوة نبيه

ربنا أرسل ملائكة العذاب لقوم لوط .. الملائكة إتجّهت الاول لـ سيدنا إبراهيم وبشرّوه بـ ابنه إسحاق عليه السلام [زي ما حكينا في الحلقة اللى فاتت فى قصة سيدنا إبراهيم]
في الوقت إللي الملائكة وصلوا فيه كانت بنت سيدنا لوط عند أسوار المدينة بتملى ميّة من النهر .. الملائكة الي كانوا مُتَمَثّلين على شكل بشر عاديين , كلّموها وسألوها إن كان في مكان يقدروا يقضوا فيه ليلتهم قبل استكمال سَفرهم.
هي شافتهم رجال وسيمين ..فـ خافت عليهم من القوم الكُفّار الظالمين .. قالت لهم يثبتوا مكانهم مايتحركوش لحد لما تنادى والدها ..

المهم راحت جري تقول لأبوها لوط .. أول ما عرف راح بسرعة للضيوف خاف عليهم من إن حد يشوفهم فيعتدي عليهم
وأول ما شافهم خاف عليهم أكتر وشال همهم بشكل أكبر.. {سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَـذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} ..
[ابن عاشور في تفسيره قال لفتة جميلة جداً عن الآية دي , نركز في ترتيبها فنلاقيها بديعة جداً في التكوين والترتيب لأنها مُتدرجة على حسب ترتيب الأحداث اللي بتحصل فعلاً

فـ أول حاجة الواحد بيحسّها لما يحصل شيء يزعجه , هو إنه يشعر في داخله بالإستياء منه .. (سِيءَ بِهِمْ)
بعد كده بيحاول يعالج الموضوع ويشوف أي حل أو مَخرج , ولما يتأكد إن مفيش مجال للخروج من المأزق بيحس إنه (ضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا) .. الذَرع هو اقرب حاجة لينا مَد الذِراع , لما نقول ضاق ذرعاً كأننا بنقول يعنى الإنسان إللي مش لاقي حل لمشكلته زى إللي حاول يمدّ ذراعه معرفش يمدّها زى ما هو عاوز .
وعبّر عن المعنى ده بالكلام (وَقَالَ هَـذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ)

سيدنا لوط سألهم هُمَّ جايين منين وكانوا رايحين على فين ؟ حاول يعرف إتجاههم والبلد إللي هُمَّ عايزينها علشان يدلّهم على الطريق ويمشوا بسرعة قبل ماحد يشوفهم ويئذيهم
ردّهم كان السكوت وتجنّب الإجابة .. كانوا مُحدَدين في طلبهم لما طلبوا منه الضِيافة ..
إستحى منهم سيدنا لوط .. وخاف عليهم حد تاني يستضيفهم فيعتدي عليهم .
فأخدهم معاه بس إستمر في محاولاته لـ إبعادهم .. إلتفت إليهم وقال لهم ” لا أعلم على وجه الأرض أخبث من أهل هذا البلد”
حاول يوصلّ لهم الرسالة ويخوّفهم من البلد و إللي فيها يمكن يغيّروا رأيهم ويقرروا إستكمال السفر..
لكنهم سكتوا وقابلوا كلامه بعدم التعليق..

الظاهر إنه -عليه السلام- كان جواه صراع شديد ما بين حاجتين .. من ناحية لازم يحذّرهم ويحاول يبعدهم عن المكان ده من غير مايحرجهم , ومن ناحية تانية يستضيفهم ويكرمهم ويحافظ على أداب الضيافة في نفس الوقت.

الملائكة كانوا عارفين كل إللي بيقوله , هُمَّ كانوا جايين أصلاً بسبب كل إللي بيقوله , إيقاع العذاب على الناس دي كان بسبب كل إللي بيقوله .. فإستمروا في صمتهم وكملوا مَشيهم .. راحوا معاه لحد بيته من غير ماحد يشوفهم ولا يعرف بوجودهم
لكن زوجة سيدنا لوط أول ما شافتهم في البيت اتسللت من غير ما سيدنا لوط يحس وراحت قالت لأهل القرية إن في رجال غُرباء غاية في الوسامة والجمال موجودين في بيت لوط
في مُدة بسيطة جداً كان الخبر إنتشر .. راح أهل القرية بسرعة مستعجلين لبيت سيدنا لوط .. {وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ} .. [آية 78 : سورة هود]

طلبوا منه إنه يخلي الضيوف يخرجوا لهم برا .. سيدنا لوط ماكنش بييأس وكان لسه مُستمر في محاولة النصيحة حتى لو الأمل ضعيف
قال لهم {هَـؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} .. [آية 78 : سورة هود]
المقصود ببناتي هنا هو نساء القوم بشكل عام (لإن النبي بيبقى بالنسبة لـ قومه في مقام الوالد)
وبعدها حاول يفكّرهم بربنا و يصحّي فيهم التقوى {فَاتَّقُواْ اللّهَ}
وفي محاولة يائسة منه للمس النخوة جواهم قال لهم {وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي} .. [آية 78 : سورة هود ]
يعني ما متحرجونيش قدام ضيوفي وتاذوهم وتعتدوا عليهم وتجبروهم على عمل الفاحشة..

لكن لا حياة لمن تنادي .. ربنا لما وصف حالهم في القرآن أقسَم – سُبحانه وتعالى – بحياة نبيه الكريم سيدنا محمد – صلوات الله وسلامه عليه- ..{لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ } .. [آية 72 : سورة الحجر]

رفضوا كلامه وأصرّوا على طلبهم {قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} .. [ آية 79 : سورة هود ]
وفوق كده هاجموه وبكل وقاحة لاموه , استنكروا عليه إستضافة الأغراب عنده أصلاً , بإعتبار إنهم سَبق وحذّروه إن أي غريب يمرّ من البلد يبعد عنه ومايحاولش يستضيفه أو يحميه , لإنهم هيطمعوا فيه! .. {قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ} .. [آية 70 : سورة الحجر]

إزداد حزن سيدنا لوط , حس إنه لوحده , راجل غريب جاي من بعيد من غير عشيرة تحميه ولا أولاد أقوياء يتسند عليهم وينصروه
قفل الباب ورجع لضيوفه .. كان الضيوف هادئين جداً مش باين عليهم أي خوف أو اضطراب
فإندهش من رد فعلهم رغم كل إللي سمعوه!
إبتدا الناس يخبّطوا بكل قوة على الباب
سيدنا لوط في عِزّ الضيق إتمنى لو كان عنده عَشيرة وقُوة تخليه يحمي ضيوفه منهم , أو مكان ينفع يحتمي بيه ويحمي ضيوفه فيه من شرّهم .. {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} .. [ آية 80 : سورة هود]

سيدنا لوط كان عارف إنه تحت حماية الله إللي أشد من أي ركن وأقوى من أي قوة .. لكن المقصود في اللحظة دي كان رغبته في أي حاجة فورية تمنع الناس دي من إيذاء الضيوف
ومن رحمة ربنا ومن صِدق نِيّة سيدنا لوط , ربنا إستجاب فعلاً لطلبه قبل حتى مايطلبه .. فـ بعتله الحماية الفورية والقوة الجبارة إللي لاقاها في بيته قبل ما يتمناها ..
[ حبيبنا النبي صلوا عليه لما كان بيقرأ الآية دي كان بيقول ” رحمة الله على لوط لقد كان يأوي إلى ركن شديد ” ..]

لما الضيق بلغ ذَروته واشتد بـ لوط كَربه وقال كلمته
إتحركت الملايكة لإنهاء الموقف , طمّنوه إنه فعلاً تحت حماية ركن ربه الشديد .. عرّفوه إنهم ملائكة العذاب , مأمورين بتعذيب القوم الظالمين والحفاظ على سلامته هو وأهله أجمعين , إلا زوجته, فهي من الكافرين الغابرين! .. {قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ} .. [آية 81 : سورة هود]
{قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ} .. [ آية 31 : سورة العنكبوت ]
{وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ}.. [ آية 33 : سورة العنكبوت] ..

أشار سيدنا جبريل بـ إصبعه [ أو يُقال بـ جناحه] .. فإتعمى الناس من ورا الباب .. {وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ} .. [ آية 37 : سورة القمر]
إلتفتت باقي الملايكة لسيدنا لوط وطلبوا منه ياخد أهله ويخرج من البلد فوراً
محدش فيهم يلتفت أبداً
هيسمعوا أصوات تهتز من فظاعتها الجبال , لكن ماينفعش يخطفوا نظرة واحدة حتى لو من باب الفضول , لإن إللي هيلف وشه ناحية القرية بعد مايطلعوا منها هيصيبه من العذاب زي إللي هيصيبهم
تخيل مدى العذاب! .. عذاب يُصيب الشخص بمجرد النظر إليه!

(من عادة التارك لوطنه، أن يلتفت إليه عند مُغادرته، كأنه يُوَدّعُه.
فـ قيل إن الحِكمة من الأمر بعدم الإلتفات التأكيد على الهِجرة غضباً لحرمات الله بحيث يقطع التعلق بالوطن ولو كان تعلّق الرؤية )

ساعتها الملايكة بلّغت سيدنا لوط إن زوجته كافرة خائنة.. هي صحيح هتخرج معاه هو وأهله , لكنها كفرت وكانت من الغابرين , فـ بأمر الله وحِكمته بعد خروجهم هي مش هتستحمل الأصوات , فـ تطلق نظرها وتلف وجهها , فـ يصيبها العذاب فوراً وعدلاً من الله .. {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ} .. [آية 83 : سورة الأعراف] ..
الغابرين معناها الهالكين ..
[وفي تفسير تاني بيقول إنها ماخرجتش معاهم أصلاً , يُذكر إن سيدنا لوط بعد ما عرف إنها من الهالكين خبّى عنها إنه هيخرج هو وبناته .. والسبب إنه جاله الأمر الربّاني في الآية (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ) .. [آية 81 : سورة هود]
هنا فسرها بعض العلماء إن المقصود بالإستثناء هو إستثناء امرأتك من “فأسْرِ بأهلك” .. فـ بعد مُراعاة قواعد اللغة والبلاغة والمُقدم والمؤخر .. هتبقى الجُملة ” فأسر بأهلك إلا امرأتك”
بمعنى إن ربنا أمره ياخد أهله كلهم إلا زوجته
وفي الحالة دي بيفسروا كلمة “الغابرين” بـ الباقيين للهلاك .. فتكون هي من الغابرين إللي ماخرجوش من البلد وبقوا فيها وأصابهم العذاب]

سيدنا لوط سألهم عن معاد العذاب [ و في تفسير القرطبي وابن كثير مذكور إن سيدنا لوط إستعجل العذاب لقومه .. غضباً لله وغيرة على حُرماته وإستعجالاً في تحقيق نصره , فالملائكة ردت عليه بإن معاد العذاب ربنا كتبه وحدده في صباح اليوم التالي , وصبّروه بإن الصباح ليس بعيد عن الوقت الحالي]
{إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} .. [آية 81 : سورة هود]

[ لكن حتى تأخير العذاب ده كان فيه حِكمة .. الظاهر إن دي كانت مُهلة لسيدنا لوط مش لقومه .. مُهلة للنبي الكريم هو وأهله عشان يبعدوا قدر المستطاع عن القرية قبل مايتحقق فيها العذاب]

فعلاً فوراً في ظُلمة الليل خرج -عليه السلام- هو وبناته الكِرام [ وقد تكون زوجته خرجت معاهم ] , إبتدوا سَفرهم وابتعادهم عن مكان العذاب قبل ما الصبح يقرّب ..
الصبح إبتدا يطلع والعذاب إبتدا يحصل

سيدنا جبريل بطرف جناحه إقتلع مدنهم السبعة ورفعها كلها لفووق في السما .. وبعدين قلَبهم مرة واحدة و صدمهم بقوة في الأرض .. فـ إتنكّست المدن [ التنكيس هو إنك تقلب الشيء فتخلي راسه تحت واللى تحت فوق , ودا كان عِقاب مُناسب جداً لجريمتهم , لأنهم قلبوا فِطرتهم ونكّسوها فإنَقلَبَت قَريتهم.]
{فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ} .. [آية 82 : سورة هود]

أثناء ما كانوا بيتقلبوا كان فيه حجارة من جهنم بتتساقط عليهم من السما .. حجارة ناشفة قوية ومتتابعة ” سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ ” , حجارة مكتوب عليها اسمائهم! من شدة خطأهم وفظاعة كبائرهم ربنا خصص ليهم حجارة من جهنم بأساميهم! (مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ) .. [آية 34 : سورة الذاريات]
إستمر المطر وإستمر العذاب .. مات الجميع وإتنكّست المدن في الأرض
{إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} .. [آية 34 : سورة العنكبوت ]
(فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73) فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) .. [ سورة الحجر ]
مُشرقين يعني عند شروق الشمس
والصيحة المقصود بيها هنا العذاب والهلاك , ويُقال كانت صاعقة كبيرة وزلازل شديدة وأصوات عالية جداً مُرعبة ومُتعِبة جداً جداً ..

كل ده كان سيدنا لوط وأهله سامعينه , سامعين أصوات مُرعبة تخلّي إللي يسمعها يخاف حتى يتخيّل او يعرف بيحصل فيهم إيه

إنتهى العذاب وفنى القوم الظالمين أصحاب الفاحشة العظيمة , لكن العِظة لا تفنى.. ربنا أبقى أثرهم وخلّى مكانهم موجود من بعدهم عشان يبقى عِبرة لغيرهم .. {وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} ..

المطلوب إننا نتفكّر .. القرآن بيوجّهنا إننا مانقرأش القصة كده وخلاص , لازم نفهم هُمَّ حصل لهم كده ليه , الآيات بتجبرنا نركز , نلاحظ , نتفكّر ونفهم ..
{وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} .. [آية 37 : سورة الذاريات]
{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ} .. [ آية 84 : سورة الأعراف ]
(إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ) .. [ آية 75 : سورة الحجر]
(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) .. [ آية 77 : سورة الحجر ]

• العلماء بيقولوا إن مكان المدن السبعة أصبح بُحيرة غريبة ماؤها أُجاج يعنى شديد الملوحة وكثافة الماء أعظم من كثافة مياه البحر المالحة
في البُحيرة دي صخور مَعدنية ذائبة تُوحي بإن الحجارة اللي إتضرب بيها قوم لوط كانت شُهب مُشتعلة (يُقال إن البحيرة دي هي ” البحر الميت ” ! .. إللي معروف عنه إن الحياة فيه معدومة لشدة ملوحته وكثافة مياهه)

• قصة سيدنا لوط إتذكرت في القرآن -ما بين تفصيلٍ وإجمال- 14 مرة في 15 سورة مختلفة
تكرارها كل المرات دي فيه تنبيه على الذنب العظيم الي إرتكبوه , عشان نفهم كويس هُمَّ عملوا إيه فـ إستحقوا إيه ..
• ربنا مش بيحرّم علينا حاجة غير لمصلحتنا .. مش بيمنعنا من حاجة إلا ويكون فيها ضرر كبير لينا .. رغم إنه خالقنا وليه حُرية التصرف فينا .. هو الوحيد اللي ليه حق المنع بدون أسباب , لكنه – سُبحانه- مابيستعملش الحق ده , وفي كل مرة بنكتشف إن المنع كان بأسباب وأسباب قوية جداً كمان ..

وعشان كدا إكتشفوا حديثاً أسباب منع الشذوذ الجنسي المُتَمثّلة في أضراره ..
من ناحية صِحية أضرار الشذوذ كتير جداً .. خد عندك :
[العُقم / الإيدز / الزهري / السيلان / الهربس / مرض السويداء /إرتخاء عضلات المستقيم وتمزقه / التيفود والدوسنتاريا / خلل بالجهاز المناعي / المندثرة / سرطان الشرج / عدم التحكم في إخراج الفضلات مما يسبب التلوث وعدم الطهارة الدائم ]
وعن الصحة العامة فـ هو بيسبب لصاحبه ضيق في الصدر وخفقان في القلب وله تأثير على خلايا المخ, ده غير اضطرابات الحصر النفسي واضطراب دائم في النفسية والمزاجية ..
من ناحية إجتماعية , جريمة الشذوذ بتسبب عدم رغبة الرجل في المرأة وبالتالي إنقطاع النسل

إن صَحّت الأسباب دي أو اختَلّت أو حتى إكتشفولها حلول لحد ما إتحَلّت , فـ التحريم لازال قائم حتى قيام الساعة , والشيء الأساسي الجوهري إللي بيخلّينا نتبّع الأمر ونلتزم الفِطرة ونبتعد عن الشذوذ , هو غضب الله على فاعله.
التحريم بحد ذاته سبب كافي ووافي ولا مجال للجِدال فيه.

وفي الأول و في الاخر دي كلها اجتهادات العلماء في محاولة تفسير كتاب الله , وربنا وحده الأعلى والأعلم بما يُصيب ويُخطئ منها .. قال تعالى “وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون امنا به كل من عند ربنا
والى لقاء اخر مع نبي الله اسحاق عليه السلام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى