مقال

عوامل الارتقاء في مجتمع الإيمان

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن عوامل الارتقاء في مجتمع الإيمان
بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحد لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الذي ولد صلى الله عليه وسلم لثمان من شهر ربيع الأول، وقيل لاثنتي عشرة منه في قول المؤرخين وعاش أربعين سنة، لم يوح إليه بشيء وكل ما يذكره قصاص المولد من أنه ولد وهو ساجد أو أنه خرج معه نور صفته كذا وكذا، أو أن آدم خلق من نور محمد، وأن جميع الوحوش البرية والبحرية بشر بعضها بعضا بالحمل به وأن مريم عليها السلام حضرت مولده، وأن الرسول صلي الله عليه وسلم يحضر حفلة المولد ويعرف الحاضرين به، فكل هذه وما في معناها فإنها من الموضوعات التي لا صحة لها.

ولهذا قال في معرض الاحتجاج على قومه ” فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون ” وهذا العمر هو أربعون سنة، وبعد الأربعين فاجأه الحق ونزل عليه الوحي بغار حراء، فاللهم صلي وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آل محمد الطيبين المخلصين الطاهرين وأصحابه الغر الميامين رضي الله عنهم بإحسان إلي يوم الدين، أما بعد فإن هناك نموذج واقع يجب أن تأخذ منه النفوس العبرة والعظة، فيحكي الله قصة فرعون، الذي طغى وتجبّر فبعد أن أدركه الغرق، وعاين العقاب، ضاع عنه عزه وسلطانه، ودب فيه الخوف لأنه لم يستطع أن يدفع عن نفسه شيئا، فأراد أن يرجع للإيمان لعله ينقذه مما حلّ به، فإيمان فرعون الذي تلفظ به يريد به الأمان والاطمئنان من عذاب الله وعقابه، بعد أن عاين المصير، الذي سيؤل إليه كما جاء في الحديث فقال صلى الله عليه وسلم.

“بأن الإنسان إذا مات فإن كان محسنا قال عجلوني عجلوني، وإن كان مسيئا يصيح يا ويلتاه أين تذهبون بي، فيسمعه كل شيء إلا الثقلين الإنس والجن، ولو سمعوه لصعقوا” رواه مسلم، وما ذلك إلا أن الأول قد أري منزلته جزاء إحسانه فاطمأنت نفسه، واحب الإسراع بالوصول إليها، لأنها تفضّل من الله سبحانه وتعالى عليه، وإن كل ما تقدم ذكره من وسائل التأثير بالإيمان والعبادة على الناس للقضاء على الجريمة، لا يكفي دون أن تكون هناك زواجر لأن بعض النفوس لا ترتدع عن الشر، ولا تكف عن الجريمة بطريقة الإقناع، ولا تريد أن ترتقي إلى المستوى الكريم النظيف الذي جاء الدين لتقريره، وإن هذه النفوس لا يصلحها إلا الزجر والتأديب والعقوبة، فكانت لذلك الحدود في الإسلام، وإن إنسان لا تنفع معه كل وسائل الوعظ والتوجيه.

وكل عوامل الارتقاء الموجودة في مجتمع الإيمان لا يستحق أي رحمة أو شفقة، فكما أن الإنسان يرضى عن طواعية أن يستأصل العضو الفاسد من جسده خشية من تسرب الفساد إلى أعضاء الجسد الأخرى إن أبقاه، فكذلك توقيع العقوبة على المجرمين، وإن إقامة الحدود متصلة بالعبادة أعظم الاتصال، ففي العقوبة مجازاة الجاني، وردع الآخرين، وإصلاح المجتمع، وفي القصاص حياة للمجتمع كله، ولو تأملنا في أسباب الجريمة، لوجدنا أن الإيمان والعبادة يحاصرانها، ويقضيان على وجودها، والقرآن الكريم يربط كل عامل من عوامل الدنيا التي تجعل الإنسان قلقا بشأنها، بقوة العقيدة، وسلامة الإيمان ونقاوته، وبذلك تخف الوطأة، وتهون المصيبة، فهو يخاطب النفس بما يطمئنها ويريحها، ويهدئ ثائرتها.

ولن يمر بالقارئ لكتاب الله آية إلا ويلمس فيها سرا عجيبا، وعلاجا مريحا، يزيل عن النفس كابوس القلق ومؤثر الاضطراب، وهذا هو أقوى علاج نفسي للخروج من ذلك المحيط، الذي لم يعرف وجوده لدى المسلمين، إلا بعد ضعف الوازع الإيماني، والتساهل في أمور الدين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى