مقال

الرجل المناسب في المكان المناسب

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الرجل المناسب في المكان المناسب
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم الأحد 22 أكتوبر 2023

الحمد لله رب العالمين اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلي الله عليه وسلم الذي كان حكيم في تعامله مع الآخرين، فينزل الناس منازلهم، ويعرف للآخرين مكانتهم، يرسل رسالة لأحد الملوك، ويقول صلي الله عليه وسلم فيها “إلى هرقل عظيم الروم” يستمع وينصت لمن يسأله أو يحاوره ويقول صلي الله عليه وسلم له “هل فرغت؟” ثم يبدأ بالحديث، فيراعي تفاوت الفهم لدى الناس واختلاف عقولهم، يجيب السائل بالقدر الذي يحتاجه، ليحببه للدين، لا يطيل الخطبة على الناس لكي لا يملوا منها، يعاتب أصحابه حينما يصدر منهم الخطأ مع عامة الناس، ومرة قال لأحدهم “أفتان أنت؟” لأنه أطال الصلاة بالناس حتى ضجروا.

فصلوات ربي وسلامه عليه، وإن من أهم الأسباب لنجاح أي عمل أو جماعة أو مؤسسة هو وضع الرجل المناسب في المكان المناسب وهذا ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما ولي الصحابي الجليل عمرو بن العاص رضي الله عنه إمارة سرية ذات السلاسل، ووضع تحت إمرته عظماء الصحابة وسابقيه إلى الإسلام فإنه لم يفعل ذلك لأنه كان يرى أن عمرو بن العاص أكثر منهم علما بأمور الشرع والدين، وإنما لأنه صلى الله عليه وسلم كان يرى أنه أعلمهم بأمور الحرب، وفنون القتال والنزال والمناورة، وهو الذي لم يكن قد مضى على إسلامه بعد أكثر من خمسة شهور فقط، ومن ثم تجده صلى الله عليه وسلم وقد قال في وضوح “لقد وليته لأنه أبصر بالحرب” وتتجلى قمت الإتقان والتخطيط العسكري في حفر النبي صلى الله عليه وسلم للخندق هو وأصحابه الكرام.

حتى أن ذلك الجيش الجرار المؤلف من قبائل العرب، ولديهم أحنك القواد واشجع الفرسان لم يستطيعوا أن يجدوا فيه ثغرة واحدة،إنه الإتقان، وإن من دروب الإتقان هو إتقان التصنيف والتأليف، حيث قال أبو عبيد كنت في تصنيف هذا الكتاب وهو كتاب غريب الحديث، أربعين سنة، وربما كنت أستفيد الفائدة من أفواه الرجال فأضعها في الكتاب، فأبيت ساهرا فرحا مني بتلك الفائدة، وأحدكم يجيء فيقيم عندي أربعة أشهر، خمسة أشهر، فيقول قد أقمت الكثير، وكذلك الإمام أحمد بإتقانه للمسند قال عنه ابن الجوزي أنه طاف أحمد بن حنبل الدنيا مرتين حتى جمع المسند، وابن عبد البر مكث ثلاثين سنة في تأليف كتابه التمهيد، ولذا جاء على هذا الوضع من الإتقان والتحرير والدقة، ألا تبا ليد مترفة ونفس رخوة وعين سبّاقة إلى الشهوات ولسان طليق في الشبهات.

لا يحسن إلا خبرة ضياع الأوقات في الحسرات، ومجالات هؤلاء البطالين هي المقاهي والنوادي واللعب ووسائل الاتصال التي تضيّع الأعمار سدى بغير طائل مع نفاد المال وإنفاقه في توافه الأمور، ومن فقد مضمار العمل فقد قيمة وجوده، ومن ثم يدخل في نفق التسول ومد يد الفقر ولسان طلب العطف من الناس، وصلى الله وسلم على نبينا الكريم الذي كان يكره للعبد سؤال الناس ما دام قادرا على العمل ويجعل المسألة بلا عمل ضربا من الندم فعن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال”ما يزال الرجل يسأل الناس، حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مُزعة لحم” رواه البخاري، فماذا يقول من حرفته التسول التي زادت فنونها وكثر بين الناس طالبوها ومحترفوها وتنوعت قصص المتسولين بين المعقول وضروب الخيال؟

حتى غدا التسول قاسما مشتركا في حياتنا بين القطار والحافلة، والسيارة الخاصة وقارعة الطريق وعلى أبواب المدارس والمساجد والمقاهي والحدائق والمطاعم والأسواق وغيرها، أفواج جديدة تدخل سوق التسول كل يوم كأننا شعب لا عمل لنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى