مقال

الحصار في زمن النبي

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الحصار في زمن النبي
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الخميس الموافق 28 مارس 2024

الحمد لله خلق الخلق وبالعدل حكم مرتجى العفو ومألوه الأمم كل شيء شاءه رب الورى نافذ الأمر به جف القلم، لك الحمد ربي، من ذا الذي يستحق الحمد إن طرقت طوارق الخير، تبدي صنع خافيه، إليك يا رب كل الكون خاشعة، ترجو نوالك فيضا من يدانيه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، أسلم له من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا، ثم أما بعد، لقد كان من بنود المقاطعة هو بند عدم دخول بيوتهم، وذلك لأنهم يدركون ان دخول البيوت والاطلاع على مدى الفقر والحاجة نتيجة ذلك الحصار، ورؤية الاطفال يبكون جوعا والمرضى يتألمون ولا يجدون علاجا.

قد يؤثر انسانيا في قلوب البعض بما يخلق جو من التعاطف مع المحاصرين فيضغطون على زعماء قريش لفك الحصار ورفع المعاناة عنهم، وأيضا لماذا كان بند النهي عن البيع والشراء منهم، لأن البيع والشراء يمثلان العنصرين الاساسين في تبادل المنافع في الحياة الاقتصادية ، وهما شريان الحياة ، والطرف الأقوى في البيع والشراء هو الذي يتحكم في القرار السياسي والاقتصادي والعسكري الخاص به وكذلك التحكم في الخصم والضغط عليه والسعي لاستسلامه لشروطه، وكان من بنود المعاهدة التي تزيد المعاناة الاقتصادية، انهم منعوا المسلمين من التعامل مع التجار القادمين من خارج مكة، كما كانوا يغالون في الاسعار على المسلمين حتى لايستطيعون شراء ضرورياتهم.

كما يتصل بهذا بند آخر وهو البند الذي ينص لا يدعوا شيئا من اسباب الرزق يصل اليهم ويهدف الى تفويت الفرصة على مَن يحاول الاحتيال بإهداء الطعام لهم بدلا من البيع، وحتى لا تكون عملية الإهداء وسيلة أو ذريعة لإيصال الطعام اليهم تحت أي مسمى لتخفيف الحصار، ولقد ورد في الكتب السيرة ان المُحاصرين في شعب ابي طالب اضطروا أن يأكلوا ورق الشجر والجلود من شدة الجوع لعدم وجود أي طعام يدفعون به شبح الموت جوعا، واما تعليق الصحيفة في جوف الكعبة ، فيهدف الى إضفاء صفة قدسية لهذه المعاهدة الشرسة وإعطاء انطباع بضرورة الالتزام بها دينيا، فكان في مكة المكرمة، ومن حوالي ألف وربعمائة وأربع وأربعون سنة كان الحكم والسيادة لقبيلة الكفر التي أعلنت الحرب على دعوة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.

ومن أمن معه بالتعذيب والقهر والمطاردة والسخرية ثم كان الحصار والمسلمون قلة ضعيفة، ومع ذلك حدث أمر عجيب غير متوقع من بنو هاشم وعبد المطلب فقد حاصر كفار قريش القلة المؤمنة، حيث قال ابن القيم لما رأت قريش أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلو والأمور تتزايد أجمعوا أن يتعاقدوا على بني هاشم وبني المطلب وبني عبد مناف ألا يبايعوهم ولا يناكحوهم ولا يكلموهم ولا يجالسوهم حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في سقف الكعبة، وهنا كان سهل جدا على بنو هاشم، وعبد المطلب وهم على الكفر مخالفين للنبي صلى الله عليه وسلم ودعوته، أن يعلنوا أن مصلحتهم تقتضي أن يتركوا النبي صلى الله عليه وسلم فهو يخالف دين الأباء ويسبب لهم مفاسد وصلت أن أجتمعت عليهم قريش وهم السادة.

ولكن التاريخ يذكر موقفا عجيبا، ويقول ابن القيم، فانحازت بنو هاشم وبنو المطلب مؤمنهم وكافرهم إلا أبا لهب فإنه ظاهر قريشا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبني هاشم وبني المطلب، وحبس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه في شعب أبي طالب ليلة هلال المحرم سنة سبع من البعثة، وظلوا محصورين مضيقا عليهم جدا مقطوعا عنهم الميرة والمادة نحو ثلاث سنين حتى بلغ بهم الجهد، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم، مع القلة المؤمنة يحتسبون الأجر من الله فما بال كفار بنو هاشم وعبد المطلب صابرين معهم على الجوع والحصار والمقاطعة ثلاث سنوات ولا ناقة لهم ولا جمل، إلا أعلاء القيم التي تربوا عليها، وقد جاء الفرج من الله تعالى ثم أطلع الله رسوله صلى الله عليه وسلم على أمر صحيفتهم وأنه أرسل إليها الأرضة فأكلت جميع ما فيها من جور وقطيعة وظلم.

إلا ذكر الله عز وجل، فأخبر بذلك عمه فخرج إليهم فأخبرهم أن ابن أخيه قال كذا وكذا، فإن كان كاذبا خلينا بينكم وبينه، وإن كان صادقا رجعتم عن ظلمنا، فأنزلوا الصحيفة فلما رأوا الأمر كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ازدادوا كفرا وعنادا وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الشعب، ويُعتبر حدث هجرة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم إلى المدينة حدثا حاسما ومفصليا ليس في التاريخ الإسلامي فحسب، وإنما في التاريخ الإنساني أجمع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى