مقال

فى طريق الهدايه ومع المفسدين فى الأرض ” الجزء التاسع “

  
إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء التاسع مع المفسدين فى الأرض، وإن الإفساد في الأرض له ضرر عظيم على البلاد والعباد، وحتى على الحيوانات، والبر والبحر والطيور والدواب، فكل يتضرر من

إفساد العباد في الأرض، فقال أبو هريرة رضي الله عنه “والذي نفسي بيده إن الحبارى لتموت هزلا في وكرها بظلم الظالم ” والحبارى هو نوع من الطيور، وقال مجاهد رحمه الله، إن

البهائم تلعن عصاة بني آدم إذا اشتدت السنة،أي القحط وأمسك المطر, وتقول هذا بشؤم معصية ابن آدم وفساده في الأرض، وقال عكرمة رحمه الله، إن دواب الأرض وهوامها،

حتي الخنافس والعقارب يلعنون المفسد ويقولون، مُنعنا القطر بذنوب بني آدم لذلك تفرح الطيور والدواب والشجر بموت العبد الفاسد الفاجر، فقد قال رسول الله صلى الله عليه

وسلم ” إذا مات العبد الفاجر استراح منه العباد والبلاد والشجر والدواب” رواه مسلم، ولو نظرت إلى الصحة لوجدت فسادا، يتمثل في إهمال الأطباء للمرضى وعدم العناية بهم، ورداءة الأجهزة الطبية، وسوء الخدمة، وقد تسبب ذلك في

إزهاق أروح بريئة مسكينة فقيرة، وإن العامل المشترك في الفساد بين هذه المؤسسات هو الإهمال والتقصير، والتعدي على لوازم العمل، وعدم الإتقان، وعدم الانضباط والالتزام

بنظم العمل، والمحسوبية وعدم تكافؤ الفرص، وبخس العامل حقوقه، ومن صور الفساد في المجتمع هو السحر فقد سمى الله عز وجل فاعله مفسدا.

وسمى الله تعالى عمل السحرة والسحر بأنه عمل المفسدين، وذلك لما يترتب عليه من فساد الأسر والتفريق بين الزوجين وخراب البيوت، ومنها أيضا قتل النفس التي حرم الله، فقتل الأنفس المعصومة من كبائر الذنوب، ومن الإفساد في الأرض،

وزوال هذه الدنيا وما فيها أهون عند الله عز وجل من قتل رجل مسلم، فيقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ” لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم ” رواه الترمذى، وإن فساد القتل ليس قاصرا على قتل نفس المسلم، بل أيضا

يشمل ذلك المعاهد، والمستأمن، فإن الله عز وجل، قد حفظ له حقه، فقد أخرج البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما،أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” من قتل نفسا معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة

أربعين عاما ” ومن الفساد أيضا زعزعة الأمن فالأمن في الأوطان مطلب كل يريده ويطلبه، فقريش أنعم الله عليها بنعمة الأمن، فأطعمها من جوع وآمنهم من خوف، وأن من

يسعى لزعزعة الأمن إنما يريد الإفساد في الأرض، وأن تعم الفوضى والشر بين عباد الله، فما يحصل في بلادنا إنما هو إرادة للإفساد في الأرض، وإنما حملهم على ذلك الحسد لهذه النعمة نعمة الأمن، ونعمة الاستقرار الذي ننعم فيه في هذه

البلاد، لذلك نهى الله تعالى عن الفرقة والتحزب، وأمر الله بالاجتماع، ونهى عن الاختلاف، فالله عز وجل أمر بالاجتماع ونهى عن الاختلاف.

فنشر الفرقة بين الناس بسبب الحسب، أو النسب، فيه فساد للمجتمع، ومن يسعى إلى نشر الفرقة بين المجتمع ويسعى إلى الإفساد فيهم يجب نصحه، وإلا حذرنا منه لأنه يسعى للإفساد في الأرض، وكذلك من الفساد هو الدعوة إلى إفساد

المرأة، فهناك دعوات غربية تنادي بإفساد المرأة تحت مسمى الرقي والتحضر ومسايرة العصر، والهدف منها إفساد المجتمع، فدعوة المرأة أن تعصي ربها عز وجل، وأن تفعل كما فعل نساء الكفر، فهذا أيضا من الإفساد في الأرض، وليحذر

الإنسان من ذلك أشد الحذر، وليسع إلى كل أمر فيه خير وصلاح، ومن الفساد أيضا هو انتشار المعاصي والفواحش والشرك بالله، فنشر الفاحشة بين الناس، وتحبيبهم لها،

وتذليل الصعوبات التي تواجهها، وتعارف الناس عليها حتى أصبحت المعاصي والفواحش شيئا مألوفا، هذا بلا شك فيه فساد البلاد والعباد، فقال ابن القيم رحمه الله، في قوله تعالى فى سورة الأعراف ” ولا تفسدوا فى الأرض بعد إصلاحها ”

قال أكثر المفسرين لا تفسدوا فيها بالمعاصي، والدعاء إلى غير طاعة الله تعالى، بعد إصلاح الله لها ببعث الرسل، وبيان الشريعة، والدعاء إلى طاعة الله، فإن عبادة غير الله والدعوة

إلى غيره والشرك به عز وجل، هو أعظم فساد في الأرض، بل فساد الأرض في الحقيقة إنما هو بالشرك به ومخالفة أمره، فالشرك والدعوة إلى غير الله تعالى وإقامة معبود غيره، ومطاع متبع غير رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هو أعظم فساد في الأرض، ولا صلاح لها ولا لأهلها إلا بأن يكون الله وحده هو المعبود المطاع، والدعوة له لا لغيره، والطاعة والاتباع لرسوله صلى الله عليه وسلم ليس إلا، ومن

تدبر أحوال العالم وجد كل صلاح في الأرض سببه توحيد الله وعبادته وطاعة رسوله، وكل شر في العالم وفتنة وبلاء وقحط وتسليط عدو وغير ذلك سببه مخالفة رسوله، والدعوة

إلى غير الله ورسوله، وإن من أنواع الفساد هو الفساد المالي كانتشار السرقة والاختلاس والرشوة، والتربح من الوظيفة، واستغلال الجاه والسلطان والربا، والقمار ومنع الزكاة، وصور خيانة الأمانة في المعاملات المالية والإنفاق في الحرام فقد

يملك الإنسان ويفسده بإنفاقه في الحرام والمهلكات والمخدرات والمسكرات فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أمسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها، فإنه من أعمر عمرى فهي للذي أعمرها،

حيّا وميّتا، ولعقبه ” رواه مسلم، والعمرى يقال أعمرتك هذه الدار، مثلا، أو جعلتها لك عمرك أو حياتك، أو ما عشت، فيلزمه الحفاظ عليها ولعقبه بعده، ومنها تتبع العورات، فعن معاوية

رضي الله عنه، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ” إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم ” رواه أبو داود وابن حبان، ومنها فساد القلوب فالقلوب مملوءة بالحقد والحسد والضغينة والبغضاء وهذا بلا شك يؤدي إلى فساد الجسد كله.

فعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “الحلال بيّن، والحرام بيّن، وبينهما مشبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى المشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا إن حمى

الله في أرضه محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب” رواه البخاري ومسلم، ومن رحمة الله بنا أن أخفى علينا أمراض القلوب، فلو أن القلوب انكشفت ورأى كل إنسان

ما يضمره الآخر له من حقد وعداوة وأمراض، ما دفن أحد أحدا، وقد جاء في الأثر ” لو تكاشفتم ما تدافنتم” ومن الفساد أيضا هو الفساد الإداري وذلك بتقديم ذوي الحسب أو الثقة أو صاحب المصلحة على الكفاءات في شتى مجالات المجتمع

وهذا بلا شك يؤدي إلى فساد القوم وقد سُئل الإمام علي بن أبي طالب, ما يفسد أمر القوم يا أمير المؤمنين ؟ قال “ثلاثة، وضع الصغير مكان الكبير، وضع الجاهل مكان العالم، وضع التابع في القيادة” وإن علاج ظاهرة الفساد والقضاء على هذه

الظاهرة وسبل مواجهتها ينحصر في ثلاثة أمور رئيسية وهى التوجيه والإرشاد بخطر الفساد وعاقبة المفسدين، وذلك بكثرة التوعية والندوات عن طريق الدعاة والإعلام المرئي والمسموع والمقروء ومراكز الشباب والأمسيات الدينية والخطب والدروس.

والمحاضرات وشبكة المعلومات الدولية، وجميع وسائل الاتصال الحديثة، بهدف توضيح مخاطر الفساد على المستوى الثقافي والديني والاجتماعي والاقتصادي مع بيان أن جريمة الفساد إنما هي مخالفة صريحة للأوامر الإلهية ولما

جاء بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم, وبيان أن ذلك دليل على ضعف الوازع الدينى لدى الفاسد والمفسد, ولهذا فإن الإسلام يعمل على تنمية وتقوية الوازع الدينى لدى كل أفراد المجتمع حتى يكون الوازع الدينى هو

الذى يمنع المرء من ممارسة الفساد وارتكاب جرائمه، وكذلك تربية النشء على المبادئ الإسلامية لأن الأبوين هما المسئولان عنهم، وبين ذلك الرسول في قوله ” كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ” وكذلك فرض عقوبات رادعة

للمفسدين وليكن الهدف من العقاب هو ردع كل مَن تسول له نفسه أن يفسد أو يقدم على أي نوع من أنواع الفساد بكل صوره، وليس الهدف التشفي أو الانتقام من المفسد، لذلك عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، على تأصيل هذه المعاني في نفوس الصحابة، وكذلك رعاية الحقوق

والواجبات والعدالة الاجتماعية، وإن العدالة الاجتماعية هى إعطاء كل فرد ما يستحقه وتوزيع المنافع المادية في المجتمع، وتوفير متساوي للاحتياجات الأساسية, كما أنها

تعني المساواة في الفرص، أي أن كل فرد لديه الفرصة في الصعود الاجتماعي، ولا يشك عاقل في أن انعدام هذه العدالة الاجتماعية في أى مجتمع من المجتمعات.

هو سبب هام جدا من أسباب الفساد مهما كانت القوانين صارمة، والعقوبات شديدة، والحكومات حازمة في تنفيذ القانون, لذا من الضرورى والحتمى لأى دولة تريد القضاء على

الفساد أن تعالج هذه المشكة، فها هي كتب التاريخ تسطر بأحرف ساطعة موقف أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع ذلك الشيخ اليهودي الكبير، فيذكر أبو يوسف في كتابه الخراج أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر بباب قوم

وعليه سائل يسأل، شيخ كبير ضرير البصر، فضرب عضده من خلفه فقال من أي أهل الكتب أنت؟ قال يهودي، قال فما ألجأك إلى ما أرى؟ قال أسأل الجزية والحاجة والسن، قال فأخذ عمر بن الخطاب رضي الله عنه بيده فذهب به إلى

منزله، فأعطاه من المنزل شيئا، ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال انظر هذا وضرباءه، فوالله ما أنصفناه إذا أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم، فقال الله تعالى” إنما الصدقات للفقراء والمساكين” فالفقراء هم المسلمون والمساكين من أهل

الكتاب، ووضع عنه الجزية وعن ضربائه، وهو عين ما فعله أمير المؤمنين عمر بن عبدالعزيز رضى الله عنه حينما تولى الخلافة, فقد عمل على كفاية الفقراء والمحتاجين، وتزويج الشباب، وغير ذلك، فحتى تكون هناك وقاية من الفساد, يجب

أن نسد حاجة هؤلاء الأشخاص حتى لا يضطروا تحت وقع الضغوط المعيشية والحياتية وتحت ضغط المستوى الاجتماعي أن يمدوا أيديهم إلى أموال الناس فيأخذوا منها وهذا من باب سد الذرائع، فالفساد يقع من وجهين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى