خواطر وأشعار

كتب/ يوسف المقوسي

حوار العظماء

كتب/ يوسف المقوسي

 

غسان : شو إللي خلاك ترسم الخيمة على شكل هرم .. يعني شو علاقة الخيمة بالهرم ؟

فردّ العلي وهو يشير بيديه مستعيناً بهما على شرح ما سيقول :

فيه علاقات مش بس علاقة واحدة . شوف يا سيدي .. أولاً إحنا الفلسطينيين تميزنا بالخيمة زي ما المصريين بيتميزوا بالهرم . يعني لما تقول خيمة بتقول فلسطين ، ولما بتقول هرم بتقول مصر .. يعني هما خِتْمهم الهرم وإحنا خِتْمنا الخيمة .. مزبوط هيك ؟

وهزّ كنفاني رأسه علامة القبول , وتابع العلي يقول :

ثانياً ، الهرم والخيمة مكان للسكن إلهم وإلنا .. بس هُمه بيسكنوها في موت الحياة يعني علامة للخلود ، وإحنا بنسكنها في حياة الموت يعني علامة الإصرار على العودة , وللخلود كمان ، وحتى تظل قضيتنا حمرة متل الجمرة . ويوم ما إنضُبْ هالخيمة ونلفها ، منضُبْ فلسطين وبنلفها كمان .. صح هيك ، ولا لأ ؟

غسان : هاي فلسفة كبيرة يا ناجي ، منين جبتها ؟

فردّ العلي وهو يهتز ابتهاجاً :

والله من هالدنيا .. هالدنيا علّمتنا اشياء كثيرة . هو قليل اللي شفناه واللي خبرناه ؟ عليم الله يا زلمة اللي شفناه بيعلّم العالم كله ، مش بس إحنا !

وكان كنفاني يضع ذقنه الدقيقة في راحته اليمنى ، ويغطي فمه بباقي يده , وينصت بانتباه ، وقد وقف وقفة نخلة مائلة ، ووقف أمامه العلي مقوّس الظهر ، والتفّ حولهما رجال وبنات وأطفال من المخيم ومجموعة من المشاركين برسوماتهم ذوي سحنات محفورة بعذاب الشتات .

وتابع العلي كلامه بثقة :

ثالثاً : العلاقة بين الهرم والمخيم ، يعني ختمنا وختمهم ، جاية من إنو مفيش تحرير لفلسطين بدون مصر ، يعني بصراحة .. لا نصر من دون مصر !

فرد عليه كنفاني بابتهاج شديد وفرح غامر ، وقد مال بجسمه أكثر ناحية العلي ، وكأنه يود أن يهمس في أذنه :

وبشوفك سياسي كمان؟

العلي : ما قلنالك يا زلمة ، هالدنيا علمتنا كل إشي . عليم الله هذا المخيم لحاله فيه عِلْم أكثر من الجامعة الأمريكية اللي بيحكوا عنها ببيروت !

وضحكوا جميعاً ، ثم تابع العلي يقول مبتهجاً وبحماس بالغ :

بعدين يا أستاذ ، العلاقة بين الخيمة والهرم إنهم مش ممكن يكونوا إلا في الخلا .. وواضحين تحت السما مباشرة ، متل الشجر . هلاّ قول لي ، في حدا بيبني خيمة جوّه بيت ، ولا هرم جوه بيت ، ولا بيزرع شجرة تحت سقيفة ؟

وردّ كنفاني بحبور غامر :

وبعدين معاك إنت ما خليت إلنا إشي نقوله ، على مهلك يا زلمة ، خلينا نحكي شوي !

وردّ العلي باسماً وعيناه تلتمعان بوهج الحقيقة :

واحدة وبس .. ما إنت إللي سألت يا عمي ، وبدنا نجاوبك ع المزبوط !

وصمت برهة ، وأخذ نفساً وقال بحزم :

العلاقة الأخيرة ، هي العلاقة بين حجر الهرم وقماش الخيمة !

ولم يفهم كنفاني قصد العلي ، فسأله باستحياء وبصوت خافت :

شو يعني .. مش فاهم؟

فرد العلي بثقة ، وكأنه يختم على وثيقة أمامه :

ما بيرجّع فلسطين غير هالحجر !

وصَفَق قبضة يده اليمنى ببطن راحته اليسرى علامة الختم ، وانحنى ، والتقط حجراً من أرض الخيمة ، وقال بجدّ وهو يشدّ عضلات وجهه ، ويقطب جبينه :

وما بيطلع هالحجر إلا من هالخيمة .. لا من قصور ولا من علالي ، وسلامة تسلمك !

وصفّق له كل من سمعه وكان حوله ، وهتفوا بحياة فلسطين والحجر .

وتعانق كنفاني والعلي ، وتبادلا الأنفاس ، وبديا

من الخلف وكأنهما ظهر واحد وكتف واحد .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى