مقال

دنيا ودين ومع المفهوم الأوسع للصدقة ” الجزء العاشر

دنيا ودين ومع المفهوم الأوسع للصدقة ” الجزء العاشر

إعداد محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء العاشر مع المفهوم الأوسع للصدقة، ومما يستدفع به البلاء أيضا هو الاستغفار، وقد ندب الشارع إلى الاستغفار لأنه مما يدفع البلاء ففي حديث الخسوف “فإذا رأيتم شيئا من ذلك فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره” متفق عليه، وقال رسول الله عليه الصلاة والسلام “إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة” رواه مسلم، وذكر الله وتسبيحه مما يستدفع به البلاء فالذكر أنيس المكروبين، وكان رسول الله عليه الصلاة والسلام إذا نزل به كرب قال “لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب العرشِ الكريم” رواه البخارى، وقال ابن القيم رحمه الله “ما ذكر الله على صعب إلا هان، ولا على عسير إلا تيسر، ولا على مشقة إلا خفت، ولا على شدة إلا زالت، ولا على كربة إلا انفرجت” والدعاء بتضرع وإلحاح من أقوى الأدوية لدفع البلاء قبل نزوله وبعد نزوله، فقال سبحانه وتعالى ” أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء” 

 

وقال ابن القيم “الدعاء من أنفع الأدوية، وهو عدو البلاء، يدافعه ويعالجه، ويمنع نزوله” وإن صلة الرحم والصدق وخصال البر سبب لزوال البلاء، فقالت السيدة خديجة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم لما نزل عليه الوحي وخشى على نفسه، قالت له “كلا والله، لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكلّ، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق” رواه البخارى، وقال العينى “فيه أن مكارم الأخلاق وخصال الخير سبب للسلامة من مصارع الشر والمكاره، فمن كثر خيره حسنت عاقبته، ورُجى له سلامة الدين والدنيا” وقال الكرمانى “والمكارم سبب لدفع المكاره” والصدقة من أهم أسباب دفع البلاء، فقال أبوسعيد الخدرى رضي الله عنه، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلى، فمر على النساء، فقال “يا معشر النساء، تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار”متفق عليه، وفي هذا الحديث أن الصدقةَ تدفع العذاب” وقال ابن القيم “للصدقة تأثير عجيب فى دفع أنواع البلاء. 

 

ولو كانت من فاجر أو ظالم، بل من كافر، فإن الله تعالى يدفع بها عنه أنواعا من البلاء، وقال أيضا في الصدقة فوائد ومنافع لا يحصيها إلا الله تعالى فمنها أنها تقي مصارع السوء، وتدفع البلاء حتى إنها لتدفع عن الظالم” فاتقوا الله فمن عامل الله بالتقوى والطاعة في حال رخائه عاملَه الله باللطف والإعانة في حال شدته، فقال أبو سليمان الدارانى “من أحسن في ليله كفى في نهاره” والتوبة والرجوع إلى الله تحط السيئات وتفرج الكربات، وإن من الأدوية التي تشفي من الأمراض ما لم يهتدى إليها عقول أكابر الأطباء، ولم تصل إليها علومهم وتجاربهم من الأدوية القلبية والروحانية وقوة القلب واعتماده على الله والتوكل عليه، والالتجاء إليه، والانطراح والانكسار بين يديه، والتذلل له، والصدقة، والدعاء، والتوبة والاستغفار، والإحسان إلى الخلق وإغاثة الملهوف والتفريج عن المكروب فإن هذه الأدوية قد جربتها الأمم على اختلاف أديانها ومللها فوجدوا لها من التأثير في الشفاء ما لا يصل إليه علم أعلم الأطباء ولا تجربته ولا قياسه. 

 

وقد جرّبنا نحن وغيرنا من هذا أمورا كثيرة ورأيناها تفعل ما لا تفعل الأدوية الحسية، وخاصة لقد تواترت الأخبار في بطون التاريخ بطرائف وتجارب مدهشة عن الصدقة وتأثيرها العجيب في دفع النقم والبلاء، وجلب شفاء القلوب والأبدان والعافية، وكل من أكثر من الصدقة بنية الوقاية من كورونا أو إزالة الضراء وذهاب الهموم والغموم وإنه يجد ذلك يقينا بينا، فإن للصدقة تأثيرا عجيبا في دفع أنواع البلاء ولو كانت من فاجر أو من ظالم بل من كافر فإن الله تعالى يدفع بها عنه أنواعا من البلاء وهذا أمر معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم وأهل الأرض كلهم مقرون به لأنهم جربوه، وهذا العلاج الروحي يحتاج إليه كل مريض وصحيح، لأنه أبلغ في النفع من العلاج الحسي، يستشفى به المريض ويقى الصحيح من المكروه، ولكن الجمع بين العلاجين الروحي والحسي أقوى في العلاج للمريض، فالصدقة تدفع عن الناس الخوف والبلايا، لأن الصدقة سلاح فعال يتسلح به في معترك الحياة والمواطن العظام، وتحمى الناس من المصائب، والشدائد. 

 

وترفع عنهم البلايا والآفات، وتعيد العافية والصحة بعون الله تعالى، ولقد فزع الناس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لخسوف الشمس، فأرشدهم عليه الصلاة والسلام إلى الدعاء والصدقة فقال” فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا” وهو دليل على استحباب الصدقة عند المخاوف لاستدفاع البلاء المحذور، وقال شيخ الإسلام الدعاء سبب يدفع البلاء، فإذا كان أقوى منه دفعه، وإذا كان سبب البلاء أقوى لم يدفعه لكن يخففه ويضعفه، ولهذا أمر عند الكسوف والآيات بالصلاة والدعاء والاستغفار والصدقة، وقال أنس بن مالك رضي الله عنه ” باكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطى الصدقة” وإن من طبيعة الصدقة أنها تداوى جميع الأمراض وتعالجها وتذهبها، كما دلت على ذلك التجارب القديمة والحديثة، ولكن يحصل ذلك بحسب استعداد النـفس، ومدى قوة إيمانها وتصديقها، وأما عن حديث ” داووا مرضاكم بالصدقة” فهو ضعيف المبنى وصحيح المعنى، ولذا قال ابن مفلح بعد أن أعل هذا الحديث وجماعة من أصحابنا وغيرهم يفعلون هذا، وهو حسن، ومعناه صحيح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى