مقال

لقد وجه الكثيرون اللوم إلى السلطة

لقد وجه الكثيرون اللوم إلى السلطة

كتب/يوسف المقوسي

 

وكلما ناقشنا السلطة، في موقفها، وحرضناها على أن تكون، وعلى أن تكون قوية، جاءنا جوابها البائس:

-وماذا في استطاعتي أن أفعل؟ لقد مزقوني وأضعفوا قدرتي وشلوا قواي واستولوا على مواردي، كل ذلك وهم يقولون إنهم مع الشرعية ويزعمون إنهم يدافعون عنها… أنا أضعف فريق، وغيري هم الأقوياء، ثم إن تركيبة البلد الحزبية تفرض علي مراعاة الحساسيات، بل الغرائز، وهذا يوصل في أحيان كثيرة إلى الجمود أو ما تسمونه العجز، والسبب هو الحرص على وحدة البلاد…

وتهتف السلطة في ختام مطالعتها بما مفاده: – أنا ضحية الجميع! الكل ضدي! الكل يتآمر علي، ثم تأتون لتحمّلوني المسؤولية؟! هذا ظلم ما بعده ظلم!؟ ارحموني يرحمكم من في السماء!

وقد ترق القلوب لهذا المنطق المستضعف بل المستسلم، وقد تذرف بعض النسوة الدموع، إشفاقاً. لكن الحكم بما هو مسؤولية عن الشعب والأرض، عن التاريخ والجغرافيا، عن سلامة البلد وأمنها القومي، عن وحدتها وسيادتها وإستقلالها وتنظيم علاقاتها مع الأخرين، لا يعترف بالعواطف الرقيقة، ولا يقبل الإشفاق بأي حال.

وبعيداً عن الاستفزاز بفتح الدفاتر القديمة، يظل مشروعاً أن نسأل السلطة: – وماذا فعلت، أيتها السلطة (وما أكبرها من كلمة)، على امتداد …سنوات ، غير البكاء والندب ونظم المراثي في ما تساقط من نواحي البلاد وجهاتها في يد “الغير”؟! ماذا فعلت غير “الاتصالات المكثفة” وغير التوسط وغير الترجي والمناشدات العاطفية لمنع الطامعين من تمزيقك إرباً وإضعاف قدرتك؟! هل واجهت مرة، مرة واحدة محاولة من محاولات إضعافك؟! هل استخدمت حقك الشرعي وقوتك الشرعية لمنع “الغاصبين” وردعهم عن اغتصاب مواردك؟!

لقد ضعفت ذاكرة الناس، لكنهم بالتأكيد لم ينسوا بعد أنهم قي فترة من الفترات امتدت لسنوات، في بداية العهد، سلموا بالسلطة تسليماً مطلقاً، واحترموا إرادتها، ورفعوا الصوت يطالبونها بقمع المخالفات جميعاً.ثم أن تركيبة البلد الحزبية مذ كان، لكنها لم تمنع السلطة من أن تكون، ومن أن تكون قوية، وأحياناً بفضل هذه التركيبة. وشرط القوة هنا العدل، وأساس العدل أن تكون السلطة للجميع، لا أن تكون طرفاً أو لطرف خصوصاً وإن السلطةة مدموغة أصلاً بكونها “سلطة الطرف الواحد”.

حتى لانقول الحزب الواحد، والمطالبة دائماً “بانصاف” الطرف الآخر ورفع الغبن عنه.

أما وحدة البلاد فلم يصنها الضعف لا اليوم و لا في أي يوم والسلطة التي تترك “الأقوياء” يعملون فيها تمزيقاً لن تستطيع مواجهة من هم أقل قوة… وهكذا فإن التغاضي عن أو “السماح” بقيام “دويلة” كان لا بد أن يستتبع ضعفاً عاماً وصل إلى حد العجز عن مواجهة أي كان، وصار من “حق” أي “قبضاي” أن يقفل الزاروب الذي يقع بيته فيه بمسلحيه هو، وأن ينصب مدافعه هو للحماية أو “للتصدي”؟! وأن يرفع علمه هو، معلناً نفسه دويلة مستقلة ذات سيادة!

ولقد وجه الكثيرون اللوم إلى السلطة مراراً وتكراراً، وانتقدوا من موقع التسليم بشرعيتها والرغبة الصادقة في الخلاص من غيرها – تقاعسها عن الفعل بأشكاله جميعاً، بدءاً من إستخدام السلاح لمنع أي نزعة تقسيمية أو محاولة تسلطية، وانتهاء باستخدام سلاح الموقف الذي هو أفعل من السلاح ألف مرة.

وكان بين ما طولبت به السلطة، في سياق السجال حول ضعفها وقوتها، أن تجرب مرة فرض الخيار على الأخرين تمهيداً لفرزهم، من معها ومن ضدها، فمن كان معها شارك في الحكم وتحمل المسؤولية، ومن عارض التزم موقف المعارضة، فإذا تجاوز هذا الحد ووجه بما يلزم من القوة، قوة السلاح وقوة السلطة المعنوية وقوة الرأي العام الذي سيكون – في هكذا وضع – متنبهاً واعياً وحامياً للنظام والسلطة ووحدة الوطن. 

ولطالما نصح الأصدقاء السلطة بأن تفيد مرة من الفرص التاريخية العديدة التي سنحت لها لتأكيد وجودها وإلغاء وجود المتجرئين عليها، الناهشين سيادتها وسلطاتها الممزقين وحدة الشعب والوطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى