مقال

نفحات إسلامية ومع الخلافة الراشدة ” الجزء الثامن عشر “

نفحات إسلامية ومع الخلافة الراشدة ” الجزء الثامن عشر ”

إعداد/ محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثامن عشر مع الخلافة الراشدة، وقد توقفنا عند، ومن أهم الإنجازات غير العسكرية التي قام بها عثمان بن عفان في عهده هو جمع المصحف بأول نسخة مكتوبة في تاريخ الإسلام، وقد سار النصف الأول من خلافة عثمان بن عفان على ما يرام، وكانت الدولة خلاله مستقرة، لكن بحلول عام واحد وثلاثين من الهجرة بدأت القلاقل والتوترات تظهر وتتصاعد، واستمرت حتى نهاية عهده ونهاية دولة الخلافة الراشدة بأكملها، من بين الاضطرابات الأولى التي واجهها عثمان بن عفان في خلافته حادثة مقتل الهرمزان وجفينة الجهني وابنة أبي لؤلؤة على يد عبد الله بن عمر، قصاصا لأبيه، إلا أنه قام بذلك دون أمر من الخليفة، وطالب البعض بقتل ابن عمر قصاصا.

 

لأنه تجاوز القانون، بينما صعب على البعض ذلك، وسوى عثمان بن عفان الأمر بأن دفع الدية لابن الهرمزان من ماله الخاص وانتهت المشكلة هكذا، وقد بدأت الاضطرابات تنشب في الدولة، وكان من الأسباب الرئيسة لذلك أقارب عثمان بن عفان، الذين كان يقربهم إليه أكثر من الآخرين، ويعطيهم الأموال والمناصب، وحابا بعض أقربائه ونسبائه بمنحهم منصب الولاية، فتوالت الاعتراضات والشكاوى من ظلم أقربائه، والمطالبة بخلعهم، وأصبح يبدل ولاة الأقاليم مرة تلو الأخرى، كما اعترض آخرون على الترف الذي استشرى في مجتمع المدينة المنورة، حيث انقلب مجتمعها من حياة الفقر والتواضع في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الغنى واللهو في عصر عثمان بن عفان.

 

وذلك نتيجة الأموال والغنائم الكبيرة التي أتت بها الفتوحات، وبحسب بعض المؤرخين، فقد كان أول من أشعل الثورة على عثمان بن عفان هو رجلا يهوديا في اليمن يدعى عبد الله بن سبأ، الذي أخذ يحرض الناس خصوصا في العراق على عثمان بن عفان وعمر بن الخطاب وبعض الصحابة، ويُمجد الإمام علي بصفته أحق بالخلافة، وقد انتشرت الفتنة واشتدت في الولايات والأقاليم، وفي نهاية عام أربعة وثلاثون من الهجرة، جاءت إلى المدينة وفود من الأقاليم بدعوى الحج، فتفاوضوا مع عثمان بن عفان، ولانوا، لكن يقال أنهم بينما كانوا عائدين إلى أقاليمهم قابلوا رسولا من عثمان بن عفان، فأمسكوه، ووجدوا معه رسالة يأمر فيها والي مصر بقتلهم، فعادوا إلى المدينة وبدأوا الثورة عليه.

 

وقد ضرب الثوار الحصار على منزل عثمان بن عفان، وبينما الحال كذلك جاء يوم الجمعة، فخرج إلى المنبر ليخطب، وخاطب الثوار في كلامه، وقام أحد الصحابة يشهد على قوله، بينما قام آخر يعترض، ونشب قتال في المسجد، وضُرب عثمان بن عفان خلاله، فأغمي عليه وحمل إلى منزله، وظل عثمان محاصرا في منزله أياما، ومعه عدد من الصحابة يحرسونه، بينهم الحسن بن علي وعبد الله بن الزبير ومروان بن الحكم وسعيد بن العاص، حتى بدأ الثوار يحاولون اقتحام منزله نفسه، فأحرقوا الباب، ودخلوا المنزل، وضرب أحدهم عثمان بحديدة على رأسه، ثم ضُرب بسيف وقتل ونهب منزله في الثامن عشر من شهر ذي الحجة عام خمسة وثلاثون من الهجرة.

 

وكان عمره حين قتل اثنان وثمانون عاما وبعد خلافة دامت اثني عشر سنة، وبعد مقتل الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان اتخذ الانقسام الذي أفرزته الثورة عليه طابعا نهائيا بفعل عمق الجرح واتساع الهوة بين الفئات متناقضة التوجهات في المجتمع الإسلامي، وخلق فرزا اجتماعيا جذريا بين الجمهور القبلي من جانب، وبين النخبة القرشية من جانب آخر، بالإضافة إلى ولادة الفرق السياسية، ونشوء الفكر السياسي في تاريخ الإسلام، وكان الخيار المطروح بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان هو إما العودة إلى نظام عمر بن الخطاب الذي اعتمد أساسا على المصالح القبلية وقيمها، وإما الاستمرار على نهج عثمان بن عفان من واقع النظام الجديد الذي يعتمد على أولوية المصالح القرشية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى