مقال

نفحات إيمانية ومع المسجد والسوق والعلوم الشرعية والدنيوية “الجزء الثانى “

نفحات إيمانية ومع المسجد والسوق والعلوم الشرعية والدنيوية “الجزء الثانى ”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثانى مع المسجد والسوق والعلوم الشرعية والدنيوية، وإذا كانت الأسواق، كما روى مسلم عن سلمان قال “إنها معركة الشيطان وبها ينصب رايته” فإن ذلك مما يجعل المسلم يحذر منها أشد الحذر، بل ويقلل من ارتياده لها بقدر استطاعته، فلا يذهب إليها إلا في إحدى حالين إما أن يكون تاجرا، فيتقي الله تعالى في نفسه وفي تجارته، ويراقبه في كل تصرفاته حتى يمنّ عليه تعالى بالستر الجميل، والعفاف والغنى، والرزق الحلال، فلا يغش أحدا، فقد قال صلى الله عليه وسلم “من غشّ فليس منا” رواه الترمذي، ولا يتتبع عورة مسلم أو مسلمة، حتى ينجو من وعيد الجبار عز وجل، فقد قال صلى الله عليه وسلم حينما صعد المنبر فنادى بصوت رفيع.

” يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو فى جوغ رحله” رواه أبى داود، بل إنه صلى الله عليه وسلم يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويؤدي حقوق الطريق كلها من رد السلام، وغض البصر، وكف الأذى، ونحوها ليحظى بوعد النبى صلى الله عليه وسلم عندما قال “التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء” رواه الترمذي، وأما الحال الأخرى التي تستدعي دخوله الأسواق أن يكون محتاجا للشراء، فإنه إذا كانت المساجد سوقا للآخرة، فيها تصحو النفوس من غفواتها، وتأوي القلوب إلى بارئها.

وتستثمر الأعمار فيما يضاعف أجور أصحابها فإن الأسواق هي سوق الدنيا التي تغفل فيها الأرواح عن مطامحها، وتقسو القلوب بعد رقتها، فما أكثر غفلات الأسواق اليوم، وما أقسى ما يتبعها من آهات لا منتهى لأصدائها، فإن في الأسواق غفلة عن عظمة قيوم السماوات والأرض، يغفل البائع فيها فلا يقدر الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه، فيفجر فيها بالحلف الكاذب، ويستهين بالرب العزيز العظيم، الذي يستطيع أن يقصم ظهر كل جبار عنيد، يجازف باليمين الغموس التي تغمس صاحبها في النار من أجل دراهم معدودة، فيقول والله العظيم الجليل الكريم أنه اشتراها بكذا، وهو يعلم أنه حلاف كذاب، فما أصبره على النار.

وربما فعل مثل ذلك المشتري فحلف أنه وجد هذه السلعة بأقل مما عرضها عليه البائع، ليشتري بعظمة الله وجلاله ثمنا قليلا، لبئس ما كانوا يفعلون، وفي الأسواق غفلات فكم فيها من غفلة عن ذكر الله، والتهاء بزخارف الحياة الدنيا، تمر الساعات الطوال دون أن يجري اسم الله على ألسنة المتبايعين إلا لإنفاق سلعة أو تأكيد بيع، والله تعالى قد امتدح رجالا فقال “رجالا لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة” ولذلك ربح من ذكر الله فيها، ربحا عظيما، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من قال فى سوق لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد بيده الخير يحيى ويميت وهو على كل شئ قدير كتب الله له لها ألف ألف حسنه ومحا عنه بها ألف ألف سيئة وبنى له بيتا فى الجنة” رواه الترمذي.

فإنه ذكر يسير، وأجر جزيل، والله ذو الفضل العظيم، وإن في هذا الدعاء لوعظا عظيما لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، فالله هو المعبود وحده لا شريك له فكيف تتعبد الأموال الناس حتى تذلهم، وتستهويهم المشتريات حتى تشغلهم عن واجباتهم، وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم على عبيد الدنيا فقال صلى الله عليه وسلم “تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة إن أعطى رضى وإن لم يعط سخط تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش” رواه البخارى، فالله عز وجل بيده الملك فكيف تعصه يا هذا ويا هذه في ملكه، وله الحمد أفهذا الذي تحدثونه من لهو ولعب واستهانة بأوامره ونواهيه البديل الذي يرضاه عن حمده على النعمة المبذولة في هذه الأسواق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى