مقال

إبن شداد من أقدم مناضلي السياسة  كتاب * تصنيف شعراء الشعر السياسي* للزهر دخان

إبن شداد من أقدم مناضلي السياسة

كتاب * تصنيف شعراء الشعر السياسي* للزهر دخان

كتب لزهر دخان

عنترة إبن شداد

 

يعتبر الشاعر الجاهلي العربي عنترة إبن شداد من أكبر وأبرز شعراء السياسة في العصر الجاهلي . ومن أهم خصائص شعره ما يُبرز به سياسته الخاصة المستخدمة في دفاعه عن نفسه وهي سياسة شيمتها الصبر والتضحية في سبيل الحرية والإنعتاق . وآن ذاك لم يكن السبيل إلى ما يطلبه عنترة سهلا، فهو من الزنوج أي أسود البشرة .وكانت الأرض آن ذاك تعيش في زمن لا يحتاج فيه الناس إلى دليل ليعرفوا أن الذي أمامهم حراً أو عبداً، إذا كان الجواب متوفرا من خلال بشرته السوداء .وجلده الذي غالبا ما يكون مختوما بأثار لسياط أسياده ،الذين إبتاعوه من هذا السوق أو ذاك .وإقتادوه ليخدمهم بدون مقابل غير طعامه وشرابه ومأواه .. وهذا القانون ينطبق على الجميع من الزنوج ولو كانوا في مثل قوة عنترة بن شداد بن قراد العبسي ، المولود في عام 525م

وبسبب عبوديته أصبح عنترة أشهر شعراء العرب في فترة ما قبل الإسلام . وقد إستخدم كلام العرب لصد ورد سياطهم الساخطة على لونه الطبيعي . وهذا معناه أن للعرب آن ذاك عرف يسمح لهم بالإنتقام من الضعفاء بسبب أخطاء العظماء. وأيضا كانت أنفسهم أضعف من أن تتأمل وتتدبر وتصل إلى حل تقبل بموجبه عتق الأسود .

ولأنهم إستعبدوه وأجادوا ركوب الخيل وإستخدام السيف والرمح . حذى عنترة حذوهم وأجاد القتل مثلهم وأيضاً إشتهر بشعر الفروسية، الفن الذي أتقنه ليُعبر عن خالص مشاعره عندما يعود من الكر والفر إلى الحلب والصر .. وقد نتج عن هذه العزيمة الزنجية العربية مُعلقة شهيرة ،إقتنع بها العرب فكتبوها بماء الذهب وعلقوها على جدار الكعبة موقعة بإسم عنترة .. الذي ( يعتبر من أشهر الفرسان العرب، وشاعر المعلقات والمعروف بشعره الجميل وغزله العفيف بعبلة.)

 

ولعنترة بلاغته التي تميزت بها لغتهِ، ولغته التي كانت له وفي متناول لسانه ومشاعره . سادت في ذاك الزمان على مزاجه ووفق سياسته الخاصة .وقد إنتحل عنترة هذا الأدب ليترك به صامتا صامدا ضد إستبداد سلطة قبيلته عبس. التي قصت عليه كثيرا لآنه ولد أسودا .بل أيضا لآنه ولد من أم حبشية سوداء إسمها زبيبة .وزبيبة أعطت لعنترة سوادها فإشتد السواد في بشرته حتى كني بأبو المغلس ،لآنه جريء في الغلاسة .(وكان عنترة يلقب بالفلحاء، من الفلح أي شق في شفته السفلى وكان يكنى بأبي الفوارس لفروسيته ويكنى بأبي المعايش وأبي أوفى وأبي المغلس لجرأته في الغلس أو لسواده الذي هو كالغلس، وقد ورث ذاك السواد من أمه زبيبة) أما دمامة وجهه فقد ورثها عن أبيه شداد ، فكانت ملامح وجهه لأبيه وسواد بشرته لآمه.

 

وبعد الإختلاف حول طريقة نطق إسمه وكتابته ، إنتهت بعض الكتب إلى هذا الرأي: (على أن المتواتر في الكتب المعتمدة وماعليه الكثيرون هو أن اسمه “عنترة” لا “عنتر” والعنترة السلوك في الشدائد والشجاعة في الحرب، وهذا أقرب إلى مسمى فارس بني عبس.) -1-

 

الكتب لم تهمل الكثير من الجوانب حول عمر عنترة ونشأته وسيرتهه ، فروت بتأكيد أنه ولد (في الجزيرة العربية في الربع الأول من القرن السادس الميلادي [2] ) .ولم تركز الكتب عن دوره السياسي أو ربما ركزت عن جميع أدواره بدون أن تعرفها تعريفا مناسبا . وهنا تجدر الإشارة إلى أن بن شداد كان شاعرا سياسيا ألهب ساحة ذاك العصر بقصائد ضد سياسات خيمة أبيه الحاكمة، التي إتهمته بالإساءة الجلدية لقبيلة عبس . والإساءة الجلدية في ذاك العصر لا تعتبر تهمة يتسامح معها قانون ما هنا أو هناك .. وهذا رغم أنه كان قد بلغ قدراً من البطولة في قومه دفاعاً عنهم ..ورغم أنهم إستندوا على ظهره وإرتفعوا بكتفيه في أكثر من معركة . ما منحوه حق الأبيض منهم ،وهم الأدرى والأعلم بضعفه وبسماجة منطقه وفكره …

 

وبالعودة إلى سلالته الحبشية نستطيع أن نلمس مصدر نبوغه اللغوي، وتسلطه البطولي السياسي. ورفعته النـَسَبيَة حيث أنه لم يكن مجرد مولود لعبس أنجبه شداد من حبشية . فأمه كانت قبل أن تسبى وتجبر على الزواج من شداد ، كانت أميرة حبشية ( يقال لها زبيبة ررغر، أُسرت في هجمة على قافلتها و أعجب بها شداد فأنجب منها عنترة، وكان لعنترة أخوة من أمه عبيد هم جرير وشيبوب. وكان هو عبداً أيضاً لأن العرب كانت لا تعترف ببني الإماء إلا إذا امتازوا على أكفائهم ببطولة أو شاعرية أو سوى ذلك.-4-)

 

وبالتالي يكون هو عنترة إبن الأميرة زبيبة، قبل أن يكون (عنترة بن عمرو بن شداد بن معاوية بن قراد بن مخزوم بن ربيعة بن عوذ بن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان بن مضر-5-) ونستطيع التلميح بأصبع صريح إلى الفائدة التي جناها عنترة من سواد زبيبة . التي أنجبته كامل الدم ، فلم يهدأ ثأره. وعاش يطالب بحقه في العَرشِين . فكان في النهاية سيداً في قومهِ.وأيضا أحد أبرز وأهم أسباب تنفس العبيد السُعداء، لآن الحُرية باتت حُلما قريب المنال نسبياً، إذا أحسنوا الحلب الصر وفي الوقت المناسب يحسنون الكر والفر.

 

ونلاحظ أن غالبية من أبحروا في الحديث حول سيرة عنترة، يغفلون حِكاية نسبه الحَبشي الأميري . وهذا ربما سببه أن أمهُ لم تكن أميرة تذكر لها إمَارة ،أوتنحدر من دولة تهاب لهَا حَضَارة . وكانت أميرة بأقل مَعاني الكلمة ..

عنترة قبل أن تعترف له عبس بإنتمائه القبلي لها . كان يعيش منزوع الجنسية العبسية. وتم نزع جنسيته وهو صبيا في المهد. لآن شداد لا يعرف الرحمة ،ولا يستخدم الشفقة في حياته . فعاش مُستعبدا لأبنائه الثلاثة من زبيبة . ومع الإستعباد تعرض عنترة لكل أنواع الغبن والحرمان .كما أن والده كان يضربه ضربًا مبرحاً إذا أخطأ . وزادت من معاناته سياسة سمية زوجة أبيه المرأة المتغطرسة الحاقدة ومن دست له لدى والده كثيراً، حتى أرهقت حُريته المتبقية وحَولتها إلى عبودية شاملة .وفي أخر فعالها قالت لشداد “إن عنترة يراودني عن نفسي”. ولم يكن شدادها إلا على مزاجها وحسب هواها . وإنقض على إبن زبية وأوسعه ضربا بالعصا، وعندما تمكن عظم عنترة وجلده من صد كيد النساء وضرب العصا ، قرعه والده ضرباً بالسيف حتى كاد يقتله . فتدخلت سمية للإبقاء عليه حياً ،لآنها رأت أن لا يخسر زوجها أقوى عبيده. فإرتمت على عبد السوء تخلصه من الموت، بعدما رضت له أشد غضبات شداد-7- . فرقّ أبوه وكفّ عنه. وإعتبر عنترة بشعر يقول فيه:-7-

أمــــــِــن سميـة دمع العين تذريـفُ لوأن ذا مـــــــــــنك قبل اليوم معروف

كـــــــأنها يــوم صــدّت مــاتكلمني ظبي بعسفان ساجي الطرف مطـروف

تــــــــجلّلتني إذ أهــوى العصا قِبلي كأنهـا صــــــــــــــنــم يُعتــاد معكــوف

المــــــــــــــال مـالكم والعبد عبـدكم فهـــــــل عذابك عني اليـوم مصروف

تنــــــسى بلائي إذا مـاغـارة لقحـت تــــــــــخرمنها الطـــوالات السـراعيف

يــــــخرجن منها وقد بلّت رحــائلها بالمــــــــــاء يركضها المُرد الغطاريف

قد أطعنُ الطعنة النجلاء عن عرضٍ تصــــــــفر كــف أخيها وهــو منـزوف

لا شك للمـرء أن الـــــدهر ذو خلف فيـــــــــــــه تفــرّق ذو إلــف ومــألوف

 

ومن باب الإستزادة ولمعرفة مالذي يُمكن قوله في مثل هذه المَعارك السِياسية بين الجلاد والمَجلود وضعت هذا الشعر-10- :

ليس لآجل ضرب العَصَا عَصَى عَنترة عَبسُ وشدادُ والهَوى

ويَوم يُمسي الجلد حُراً تـــــَــرى أيُها الرَاعي مَن الذِي رَعى

لا حِيلة فِي اليدِ الـــــــــــسَودَاء كمثل رُمح لعَنترة قدّ رُمـى

 

ولا أحد يستطيع الإنصراف إلى عَدم الفهم ويتهم عنترة بالضعف، لآنه تعرض للضرب والعبودية والتحقير والإهمال والتهميش . لذا إستطعت في البيت الأول أن أبرز دور العصا التي ضرب بها عنترة ولم تضربه بمفردها . لهذا كان عنترة لم ينقم على الأداة التي ضربته .وتحرر فكريا من أفكار عالم برمته أساء فهم الخالق فعاقب مخلوقاته. وكأنه يحتج على إنجاب أسود من أبيضٍ، بعدما تزوج برضى نفسه من حبشية أعجبتهُ … أما عنترة فقد قبل بدور العَصَا التي ألحقت به الأذى وضرب بها عدُوه ، وهذا لآنه يُدرك أن عَدُوه يَمتلك عَقلاً يُعدد به المال . وهذا سبب كافي ليتعامل مَعهُ كمدرك لما حُولهُ من حياة يعاملها بحيادية تامة كي ينجو .وعندما ينجو يُصبح لا يعنيه خلاص الغير ولو كان هذا الغير هم أبنائه الثلاثة.

ويتضح من خلال البيت الثاني أن عنترة كان يعرف أن الأيام القادمة تخفي له حقه في الحرية. وهي أيام سيعيشها عندما يتحرر جلده .. ويصف البيت الثالث جلد عنترة باليد السوداء منزوعة الحيل ، وهي يد تراهن على ما يتقنه عنترة من أدوار للآبطال كالفروسية والشعر ..

 

وعاش عنترة مستعبداً ذليلاً إلى أن وصل يوم القصة المعروفة ،التي يعرفها الجميع . أي يوم غزت طيء قبيلة عبس. وكانت طيء آن ذاك ترد على عبس التي سبق لها وغزتها .وإقتادت إبلها وسبت من نسائها الكثير .وقتلت من رجالها الكثير . وكان في تلك الحرب لعنترة نصيب من الغنائم، لآنه سبب ذاك النصر . الذي لم تسمح له قبيلته بمقاسمتها فرحته إلا بمعاملتها لها معاملة العبيد .فبخسته حقه ودفعت له نصف نصيبه من الغنائم حسب قانون عبس المطبق على عبيد القبيلة. فحزن عنترة وإستمر حزنه إلى أن أغارت طيء على عبس .وإحتاجت قبيلته إلى سيفه ورمحه وعزمه وبطولته . لكن لم يأبه ولم يحرك ساكنا وإدخر فروسيته للذود عن نفسه . وعندما غلبت الدوائرقوم إستعبدوه ،صاح به أبيه قائلاً: “كُرّ ياعنترة!” وتحرك المارد السياسي في الوقت المناسب ،وتمرد على السيد الوالد بأجابة تاريخية لعنترة : “لا يحسن العبد الكر،، إلا الحلاب والصر” . ولحسن حظ شداد، أنه لم يكن غبيا ليخسر كل قبيلته مقابل حرية عبد .. فقرر وتنازل ومنح الحرية لإبن زبيبة وصاح به: “كُرّ وأنت حر”. فكرّ عنترة وراح يهاجم وهو ينشد:

 

أنا الهجين عنترة كل إمرئ يحمي حرَه

أســودَه وأحمــرَه والشعرات المشـــعره

الواردات مـــشفــــره

 

ويبقى ذاك اليوم هو اليوم الوحيد الذي أبصرت فيه بني عبس الحقيقة .وتراجعت عن التمسك بقوانينها الجائرة وتعايشت مع ما حولها من أفراح ، وإحتفلت القبيلة بعنترة وكرمته. -2-

ومن بين أبرز أشعار العبسي عنترة هذا الشعر :

 

أُعاتِبُ دَهــــــــــراً لا يَلينُ لِعاتِبِ وَأَطـــــــلُبُ أَمناً مِن صُروفِ النَوائِبِ

 

وَتوعِدُني الأَيّـــــــــامُ وَعداً يغُرُّني وَأَعلَمُ حَقـــــــــــــــــّاً أَنَّهُ وَعدُ كاذِبِ

 

خَدَمتُ أُناساً وَاِتَّخَــــــــــذتُ أَقارِباً لِعَوني وَلَكِن أَصــــــــبَحوا كَالعَقارِبِ

 

يُنادونَني في السِلمِ يا اِبنَ زَبــــــيبَةٍ وَعِندَ اصطِدامِ الخَيلِ يا اِبنَ الأَطايِبِ

 

وَلَولا الهَوى ما ذَلَّ مِثلي لِمـــــِثلِهِم وَلا خَضَعَت أُسدُ الفَلا لِلثَـــــــــعالِبِ

 

سَيَذكُرُني قَومي إِذا الخَيلُ أَصبَحَت تَجولُ بِها الفُرسانُ بَينَ المَضـــــارِبِ

 

فَيا لَيتَ أَنَّ الدَهرَ يُــــــــدني أَحِبَّتي إِلَيَّ كَما يُدني إِلَيَّ مَصــــــــــــــائِبي

 

 

وبعدما بلغ من العمر تسعين عاماً تقريباً إنتهى عمره. وكانت حياته من عام مولده 525 م ، إلى سنة 615 م .ويذكر الزركلي في كتابه الأعلام أن وفاته كانت في عام 600 ميلادية، وهو ما يوازي العام الثاني والعشرين قبل الهجرة -7-

وكتبت حول نهاية عنترة الكثير من الروايات . وأبرزها صحة الرواية المتداولة والمرجّحة ، وهي لصاحب الأغاني بقوله( أن عنترة أغار على بني نبهان من طيئ فطرد لهم طريدة وهو شيخ كبير، فجعل يرتجز وهو يطردها ويقول: آثار ظُلمان بقاعٍ محربٍ.)

قال: وكان زرّ (وقيل وزر) بن جابر النبهاني في فتوّة، فرماه وقال: خذها وأنا إبن سلمى، فقطع مطاه (أي ظهره)، فتحامل بالرمية حتى أتى أهله، فقال وهو مجروح:

 

وإنّ ابن سلمى عنده فاعلموا دمي وهيهات لا يُرجى ابن سلمى ولا دمي

يــــــــحلّ بأكناف الشعاب وينتمي مــــــــــــــــكان الثريّا ليس بالمتهضّم

رمــــاني ولم يدهش بأزرق لهذمٍ عـــــــــــــشيّة حلّوا بين نعفٍ ومخرمٍ

 

ويقول إبن الكلبي حول قاتل عنترة : وكان الذي قتله يلقّب بالأسد الرهيص الطائي.-9-

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

-1- عكاوي، رحاب (2003) ملحمة العرب: سيرة عنترة بن شداد العبسي.دار الحرف العربي.بيروت.

– 2- ل: أ ب المصدر السابق

-3- التبريزي, ابن الخطيب. شرح المعلقات العشر المذهبات. تحقيق:عمر فاروق الطباع.بيروت:دار الأرقم.

-4- الشنتمري (2001) ِأشعار الشعراء الستة الجاهليين. ترجمة وتحقيق: إبراهيم شمس الدين. دار الكتب العملية.

-5- المصدر رقم(1).

-6- سيرة عنترة بن شداد: السيرة الحجازية. الطبعة الرابعة. طبعة المكتبة السعيدية.1331هـ.

-7-ل: أ ب ت المصدر رقم (1)

-8- نعيم، أنطوان وحيد(2010) الهائمون والمتيمون العرب: قصص وأشعار وحكايات. دار الكتاب العربي.بيروت.

-9- الأصفهاني, أبو الفرج. الأغاني. م8.مطبعة دار الكتب المصرية, الطبعة الأولى.1935م.

10- شعر وضعه المُؤلف لزهر دُخان لإثراء هَذا الكِتاب ولمَزيد مِن التوضيح فِي مَوضوع عَنترة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى