مقال

نفحات إيمانية ومع الرسول الكريم فى الشِعب ” الجزء السابع “

نفحات إيمانية ومع الرسول الكريم فى الشِعب ” الجزء السابع ”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء السابع مع الرسول الكريم فى الشِعب، فحدث أمر آخر قد تزامن مع هذه الأحداث، فقد أوحى الله إلى نبيه أن الأرضة وهى دودة الأرض، قد أكلت الصحيفة، ولم تترك فيها إلا ما كان من اسم الله، وإن بنبأ الأرضة أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه أبا طالب، فما كان منه أبي طالب إلا أن أسرع إلى نادي قريش، وهناك رأى الحوار الذي دار بين الرجال الخمسة وبين أبي جهل، ولما انتهوا من حوارهم تدخل أبو طالب في الحديث وقال “إن ابن أخي قال بأن الأرضة أكلت الصحيفة ولم يبقى منها إلا باسم الله، فإن كان كاذبا خلينا بينكم وبينه، وإن كان صادقا رجعتم عن قطيعتنا وظلمنا، فقال زعماء قريش في المسجد الحرام، قد أنصفت يا أبا طالب.

 

وذهبوا إلى الصحيفة في جوف الكعبة، فإذا هي تماما كما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أكلت بكاملها إلا ما كان فيها من اسم الله “باسمك اللهم” فقد ظلت آية واضحة، وهنا لم يعد أمام زعماء مكة أي خيار، ولم يجدوا بدا من نقض الصحيفة وإنهاء المقاطعة بعد ثلاث سنوات كاملة كانت قد مرت من الحصار والتجويع، وكان من دأب هشام بن عمرو مع كونه كافرا، فإن المرء ليتعجب، فلم يضع الله مجهوده سدى، ولم يُذهب عمله هباء، فقد فك الحصار، وأزيلت الصحيفة، وخرج بنو هاشم وبنو المطلب من شعب أبي طالب تغمرهم الفرحة، وما ضاع حق وراءه مطالب وقد أسلم بعد ذلك هشام بن عمرو، أسلم بعد فتح مكة، بعد أكثر من عشر سنين من هذا الحدث.

 

وأسلم أيضا زهير بن أبي أمية، أما بقية الخمسة فقد ماتوا على الكفر، ولحكمة كان يعلمها فإن الله شاء أن يتأخر هذا الإنقاذ إلى مدة ثلاث سنوات، ولو شاء سبحانه لحدث مثل هذا الاجتماع من الرجال الخمسة أو من غيرهم بعد شهر واحد أو شهرين من بداية الحصار، لكن لا فقد كان هذا التأخير مقصودا، لقد خرج المؤمنون من هذا الحصار أشد شكيمة وأعمق إيمانا وأقوى تمسكا بدينهم وعقيدتهم، لقد وقع الابتلاء والامتحان، ونجح المؤمنون فيه، فإنه لا بد أن يثبت الصادقون صدقهم بالتعرض للبلاء والثبات على الحق، فقد قال الله تعالى فى سورة الرعد ” أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه فى النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض كذلك يضرب الله الأمثال ”

 

فلا بد أن يُصهر المؤمنون في نار الابتلاء للتنقية وللتربية وللتزكية، للتنقية من الكاذبين والمنافقين، وللتربية على الثبات والتضحية في سبيل الله، وللتزكية لتطهير النفوس من الذنوب والخطايان ومن هنا كان هناك الحصار، ومن قبله كانت الهجرة إلى الحبشة، ومن قبله كان الإيذاء والتعذيب، وكل هذه مراحل تربوية غاية في الأهمية، حيث صنعت جيلا من الصحابة يستطيع أن يواجه الأهوال دون أن تلين له قناة، أو تخور له عزيمة، أو يهتز له قلب أو عقل أو جارحة، فكما قال تعالى فى سورة النمل “صنع الله الذى أتقن كل شئ إنه خبير بما تفعلون” ولقد سارع المشركون في تطبيق الحصار، فضييق على بني هاشم حصارا اقتصاديا، وقد استمر الحصار أياما وأشهرا.

 

ويقول سعد بن أبي وقاص رضى الله عنه خرجت ذات يوم ونحن في الشعب لأقضي حاجتي فسمعت قعقعة تحت البول، فإذا هي قطعة من جلد بعير يابسة، فأخذتها فغسلتها، ثم أحرقتها ثم رضضتها، وسففتها بالماء فتقويت بها ثلاث ليالى، وكان مما كان في الحصار أن بعض المشركين كان يتعاطف مع أرحامه المحصورين هناك، فكانوا يرسلون إليهم بعض الطعام ليلا، ومنهم هشام بن عمرو العامري الذي كان يحمل البعير بالطعام والثياب، ويأخذ بخطام البعير حتى يقف على رأس الشعب، ثم يخلع خطام البعير ويطلقه في الشعب، وكان حكيم بن حزام يرسل الطعام لعمته خديجة بنت خويلد سرا، وقد استمرت محاولات بعض رجالات قريش في فك الحصار عن بني هاشم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى