مقال

نفحات إيمانية ومع الوفاء والتضحية “الجزء الأول “

نفحات إيمانية ومع الوفاء والتضحية “الجزء الأول ”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

إن الحياة الدنيا ما هي إلا وسيلة للفوز بالحياة الباقية والظفر بالسعادة الدائمة، لا أنها غاية تبتغى، ولا نهاية ترتجى، بل إنما هي عرض زائل، يأكل منها البر والفاجر، وأنه مهما طال فيها العمر، وفسح فيها للمرء الأجل، فسرعان ما تبلى، وعما قريب تفنى، وليس لها عند الله شأن ولا اعتبار، وإنما هي قنطرة إلى الجنة أو النار، فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، ولا تكونوا ممن استولت عليهم الغفلة، واستحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله والدار الآخرة، وغرتهم الأماني الباطلة، والآمال الخادعة حتى غدوا وليس لهم همّ إلا في لذات الدنيا وشهواتها، فكيف حصلت حصّلوها، ومن أي وجه لاحت أخذوها، وإذا عرض لهم عاجل من الدنيا.

 

لم يؤثروا عليه ثوابا من الله ورضوانا، فلتحذروا عباد الله من التمادي في الغفلة والإعراض عن الله، وإيثار الحياة الدنيا على الآخرة، فلقد ندد الحق عز وجل بالغافلين، وأشاد بالمتقين الذين جانبوا هوى النفس، وعملوا للدار الآخرة، إنﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻓﺘﺘﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺑﻬﺎ، ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻗﺼﺮ ﻧﻈﺮﻫﻢ، ﻭﺑﻴّﻦ الله تعالى لنا فى كتابه ﺃﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﺤﻘﺮﺍﺕ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﺮﻛﻦ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺍﻟﻌﻘﻼﺀ فضلا ﻋﻦ ﺍﻻﻓﺘﺘﺎﻥ ﺑﻬﺎ، ﻭﺍﻻﻧﻬﻤﺎﻙ ﻓﻲ ﻃﻠﺒﻬﺎ ﻭﻗﺘﻞ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻓﻲ ﺗﺤﺼﻴﻠﻬﺎ ﻷﻧﻬﺎ ﻻ ﺛﻤﺮﺓ ﻓﻴﻪ ﺳﻮﻯ ﺍﻟﺘﻌﺐ، ﻭﻟﻤﺎ ﺗﺸﻐﻞ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ، ﻭﺗﻠﻬﻴﻪ ﻋﻤﺎ ﻳﻨﻔﻌﻪ ﻓﻲ ﺁﺧﺮﺗﻪ، ﻭﺯﻳﻨﺔ ﻻ ﺗﻔﻴﺪ ﺍﻟﻤﻔﺘﻮﻥ ﻓﻴﻬﺎ ﺷﺮﻓﺎ ﺫﺍﺗيا ﻛﺎﻟﻤﻼﺑﺲ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ، ﻭﺍﻟﻤﺮﺍﻛﺐ ﺍﻟﺒﻬﻴﺔ، ﻭﺍﻟﻤﻨﺎﺯﻝ ﺍﻟﺮﻓﻴﻌﺔ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ، ﻭﺗﻔﺎﺧﺮ ﺑﺎﻷﻧﺴﺎﺏ ﻭﺍﻟﻌﻈﺎﻡ ﺍﻟﺒﺎﻟﻴﺔ، ﻭﻣﺒﺎﻫﺎﺓ ﺑﻜﺜﺮﺓ ﺍﻷﻣﻮﺍﻝ ﻭﺍﻷﻭﻻﺩ.

 

ﻭﻋﻈﻢ ﺍﻟﺠﺎﻩ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال “مرّ النبي صلى الله عليه وسلم بشاة ميتة قد ألقاها أهلها، فقال والذي نفسي بيده، للدنيا أهون على الله من هذه على أهلها” رواه احمد، فإن فى الحديث تصوير لحقيقة هذه الحياة الدنيا، وما يجب أن يكون عليه حال المرء فيها من الإقبال على الله جل وعلا، والأخذ بالنفس في دروب الصلاح والتقى، ومجانبة الشهوات والهوى، والحذر من الاغترار بالدنيا، غير أن من عظيم الأسف أن يظل الكثيرون منا في غفلة وتعام عن ذلك، حتى غلب عليهم طول الأمل، وران على قلوبهم سوء العمل، وكأن لا حياة لهم إلا الحياة الدنيا، وإذا استولى حب الدنيا على قلب المرء أنساه ذكر ربه وإذا نسي المرء ذكر ربه أنساه تعالى نفسه.

 

حتى يورده موارد العطب والهلاك، وكم من المجتمعات المسلمة من طغى عليهم حب الدنيا فاستجابوا لداعي الهوى، والنفس الأمارة بالسوء والفحشاء حتى أدى بهم ذلك إلى اقتراف المنكرات، يساعد على ذلك ويذكيه في نفوسهم واقع القنوات الفضائية، وما تبثه وسائل الاتصال وكثير من القنوات، مما فيه تزيين للباطل، وما أوقعهم في ذلك إلا طغيان حب الدنيا على نفوسهم حتى آثروها على الآخرة، وهذا الداء هو الذي أودى بأمة الإسلام في عصورها المتأخرة إلى ما هي عليه الآن من ضعف وهوان، وتفرق ونزاع حتى تحكم الأعداء في كثير من قضاياها، واستحوذوا على كثير من خيراتها، واستولوا على بعض بلادها، وساموا بعض الشعوب المسلمة سوء العذاب.

 

وألحقوا بهم أصنافا من النكال، وإن ما يحدث الآن على أيدي اليهود الغاصبين، والشرذمة المفسدين، هو ضعفا من المسلمين، وهو ضعفا من أعظم أسبابه حال كثيرين من أمة الإسلام من الإقبال على الدنيا والزهد في الآخرة والإعراض عن طاعة الله ورسوله حتى ابتلينا بهؤلاء الأعداء الحاقدين، الذين استهانوا بنا، واسترخصوا دماءنا وحرماتنا، وهذا مصداق لما أخبر به صلى الله عليه وسلم عن وقوعه في الأمة، حين تقبل على الدنيا وتخلد إليها ويضعف تمسكها بدين الله، وتدع الجهاد في سبيل الله، حيث قال صلى الله عليه وسلم “إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلا لا ينـزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم” رواه أبي داود.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى