مقال

نفحات إيمانية ومع السلام مع النفس والكون ” الجزء الثانى “

نفحات إيمانية ومع السلام مع النفس والكون ” الجزء الثانى ”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثانى مع السلام مع النفس والكون، ويرتبط السلم والسلام بثلاثة مفاهيم في هذا المجال، منها مفهوم صنع السلام الذي يعني مساعدة الأطراف المتنازعة على عقد اتفاق فيما بينهم للوصول إلى حالة من الاستقرار، ومفهوم حفظ السلام الذي يعني منع الأطراف المتنازعة من شن الحروب ضد بعضها البعض، ومفهوم بناء السلام الذي يعني بناء مجتمع قادر على تبني وترسيخ ثقافة السلام من خلال حفظ حقوق الإنسان، وتقبل الآخر، وقيم التسامح، والتعددية، والتنمية الاقتصادية، والتربية والتعليم، بالإضافة إلى تحقيق التوافق بين الفرد والبيئة، وبين الفرد والمجتمع، ويقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز ” وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم”

 

فالسلام هو الأصل في العلاقات بين الأشخاص والمجتمعات الإنسانية والدول، وهو تشريع إلهي يحاكي الفطرة السليمة للإنسان، لأن الأصل في الحياة هو السلام، والبحث عن أسباب الأمن والاستقرار والرخاء، والبعد عن كل ما يؤدي للخراب والحروب والدمار، وتدمير القوى، وتبديد الخيرات، فالسلام هو أمان الفرد على النفس والمال، وهو معنى عظيم لا تتحقق طمأنينة الفرد والمجتمع واستقرارهما إلا به، فلا يستطيع الفرد أن يمارس أمور حياته الضرورية من دراسة وعمل وعلاقات اجتماعية دون شعور بالأمان، كما أن السلام درب الفرد إلى الإبداع وتحقيق التقدم العلمي والعمراني، مما يجعله أمرا ضروريا لنماء المجتمعات وتطورها وازدهارها.

 

بالإضافة إلى أن ما تنفقه الدول في حالات الحرب من أموال تنفقها في تسلحها العسكري، أو في ترميم ما نتج عن حروبها من دمار وأضرار تستطيع أن تسخره في تطورها في كافات المجالات العلمية والاقتصادية والاجتماعية في حالة السلام، فإن اهتمت كل دولة في السير نحو السلام حُلت الأزمات العالمية الكبرى التي تعد سببا لهلاك الموارد والأفراد، وتبديد الطاقات البشرية، فعلينا كأفراد أن نحرص على تحقيق السلام ونشره لما له من أهمية على صعيد الأفراد والمجتمعات، حيث يكون ذلك باحترام اختلافاتنا المتعددة، وبالتسامح فيما بيننا، وبعدم التطرف والتعصب لقضية أو مذهب، وعدم اللجوء إلى العنف في حل مشكلاتنا وتجاوزها.

 

فكلنا بنو آدم ويجب ألا يفسد لنا اختلاف الديانة أو الرأي أو العرق ودا، ولا يُحدث نزاعا قد يشوه إنسانيتنا، ويقترن تاريخ الحضارية البشرية منذ أقدم العصور باستقرار الأمن والسلام، فالسلام في مقدمة الحاجات الأساسية التي لا سبيل إلى تقدم الفرد والمجتمع قبل إشباعها، ومن ثم فقد استقر في ضمير الإنسان هدفا أصيلا يسعى إلى بلوغه، وقيمة دينية واجتماعية، يضحي بالكثير من وقته وجهده وماله بل بنفسه أحيانا في سبيل تثبيتها، فلقد خُلق الإنسان اجتماعيا بالطبع، وأدركَت الجماعات البشرية منذ فجر التاريخ أن إقرار الأمن والسلام بينها هو الدعامة الأولى لتعاونها، في سبيل تحقيق مصالحها المشتركة، التي تكفل لها الاستمرار في البقاء.

 

والسير في مضمار الرقي والنهوض ذلك أنها وعت بالتجربة أن الشقاق والتنازع من شأنهما أن يُضعفا الروابط بين بعضها وبعض، وقد يستفحلان حتى يقطعا هذه الروابط، فتشن إحداهما الحرب على الأخرى، الأمر الذي يؤدي إلى إلحاق أضرار بالغة بالمنتصر والمنهزم على السواء، فلا غرو أن كان السلام من أهم المبادئ التي دعت إليها الرسالات السماوية، وأن يؤكد الدين الإسلامي هذا المبدأ كهدف من أهدافه السامية وكوسيلة من الوسائل في نفس الوقت، لتحقيق سائر الأهداف، وليس ثمة دليل على أولوية السلام بين القيم الإنسانية التي أرساها الإسلام من أن الله تعالى سمّى به ذاته سبحانه، فكان اسما من أسماء الله الحسنى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى