مقال

نفحات إيمانية ومع مدرسة أبى حنيفة الفقهية النموزجية “جزء 5”

نفحات إيمانية ومع مدرسة أبى حنيفة الفقهية النموزجية “جزء 5”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الخامس مع مدرسة أبى حنيفة الفقهية النموزجية، وظهر في تلك المرحلة أيضا، وتحديدا في القرن الرابع الهجري نوع آخر من التأليف عن الحنفية، وهو ما يعرف بالتأصيل الحديثي للمذهب كما تشير إلى ذلك مصنفات الإمام الطحاوي الحديثية كشرح معاني الآثار، ومُشكل الآثار، وكما برزت مدرستان أصوليتان عند الحنفية، لكل منهما ما يميزها عن الأخرى، وهما مدرسة العراقيين، وعلى رأسها أبو الحسن الكرخي، وتعد تلك المدرسة امتدادا لطريقة الإمام أبي حنيفة وأصحابه الأوائل، ثم مدرسة مشايخ سمرقند، وعلى رأسها أبي منصور الماتريدي وقد تميزت تلك المدرسة بربط مسائل الأصول بمسائل العقيدة.

 

مما أدي إلى وجود بعد الاختلافات والانفرادات عن مدرسة العراقيين، وتبدأ تلك المرحلة من وفاة الإمام حافظ الدين النسفي أو من بداية القرن الثامن الهجري، وحتى وقتنا المعاصر، وأهم ما يميز هذه المرحلة هو غلبة الركود والجمود الفقهي، على عكس ما كانت عليه المرحلة السابقة حيث اكتفى أصحاب هذه المرحلة بالاعتماد على ما خلفه الأولون من الآراء والأقوال الفقهية، دون تجاوز إلا على سبيل الشرح، أو التعليق، أو الردود، فكانت كل مصنفات تلك المرحلة وفقا لذلك، وقد ترتب على ذلك أن أشبعت مسائل المذهب وفروعه بحثا، ومناقشة، وإيضاحا، وتأييدا، مما جعل المذهب أو الرأي الراجح فيه يظهر بصورة أكثر وضوحا.

 

ومما يصور لنا الجمود الذي كان سمة لتلك المرحلة أن المجتهد الذي بلغ رتبة الاجتهاد لا يسعه الخروج عن أقوال المذهب إلا للضرورة، وإن كان ما توصل إليه باجتهاده أقوى دليلا من سائر أقوال المذهب، ويقول الإمام ابن عابدين معلقا على المقولة المأثورة عن الإمام أبي حنيفة “إذا صح الحديث فهو مذهبي” ينبغي تقييد ذلك بما إذا وافق قولا في المذهب إذ لم يأذنوا في الاجتهاد فيما خرج عن المذهب بالكلية مما اتفق عليه أئمتنا لأن اجتهادهم أقوى من اجتهاده، وبناء على ذلك ردوا ترجيحات الإمام الكمال بن الهمام، وهو خاتمة المحققين كما نعته ابن عابدين، ولم يعملوا بها، حتى قال تلميذه العلامة قاسم “لا يُعمل بأبحاث شيخنا التي تخالف المذهب”

 

ورغم أن الإمام أبا حنيفة لم يُؤثر عنه تفاصيل المنهج الذي اعتمده في بناء مذهبه، ولا القواعد التفصيلية التي جرى عليها في بحثه واجتهاده، إلا أنه قد رُويت عنه عدة روايات توضح الخطوط العريضة التي سار عليها، والمنهج العام الذي اعتمده في إرساء قواعد المذهب وأصوله، ومن هذه الروايات هو ما رواه الصيمري والخطيب البغدادي عن يحيى بن ضُريس قال “شهدت سفيان وأتاه رجل، فقال له ما تنقم على أبي حنيفة؟ قال وما له؟ قال سمعته يقول آخذ بكتاب الله، فما لم أجد فبسنة رسول الله، فإن لم في كتاب الله ولا سنة رسول الله، أخذت بقول أصحابة، آخذ بقول من شئت منهم، وأدع من شئت منهم، ولا أخرج من قولهم إلى قول غيرهم.

 

فأما إذا انتهى الأمر، أو جاء إلى إبراهيم، والشعبي، وابن سيرين، والحسن، وعطاء، وسعيد بن المسيّب، وعدد رجالا، فقوم اجتهدوا فأجتهد كما اجتهدوا” وروى الموفق المكي في كتابه مناقب الإمام أبي حنيفة عن عبد الكريم بن هلال عن أبيه قال سمعت أبا حنيفة يقول “إذا وجدت الأمر في كتاب الله تعالى أو في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخذت به، ولم أصرف عنه، وإذا اختلف الصحابة اخترت من قولهم، وإذا جاء من بعدهم أخذت وتركت” وروى ابن المكي أيضا عن سهل بن مزاحم قال “كلام أبي حنيفة أخذ بالثقة، وفرار من القبح، والنظر في معاملات الناس وما استقاموا عليه، وصلح عليه أمرهم، يُمضي الأمور على القياس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى