مقال

نفحات إيمانية ومع إنسانية الحضارة الإسلامية ” جزء 7″

نفحات إيمانية ومع إنسانية الحضارة الإسلامية ” جزء 7″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء السابع مع إنسانية الحضارة الإسلامية، فالله سبحانه وتعالى أعلم بخلقه، وما يفسدهم ويصلحهم، وكذلك من الدعائم أيضا هو الموازنة بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة، حيث يوازن الإسلام بين المصلحتين العامة والخاصة، كما يقدم مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد، وذلك باتباع أساس التوازن والتعاون في الأمر كله، وأيضا من الدعائم هى الرحمة، حيث أن الإسلام دين الرحمة، وقد أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، وإن أحكام الإسلام وشعائره تبعث الرحمة في نفوس المسلمين، وكذلك من الدعائم هو السلام، حيث إن الإسلام دين السلام، ولا يمكن أن يخالف ذلك إلا جاهل أو حاقد، وإن اسم الإسلام مشتق من السلام، ومن يؤمن بدين الإسلام يسمى مسلما.

 

وترتكز حقيقة الدين الإسلامي في التسليم لرب العالمين في كل النواحي والجوانب، ولا شك بأن الحضارة الإسلامية هي جزء من الحضارات التي مرت على البشرية منذ فجر التاريخ، ولكن ما ميز هذه الحضارة بأنها الحضارة الوحيدة التي استطاعت أن تمزج بين الجانب الروحي والجانب المادي في حياة الإنسان بشكل متوازن، كما أنها الحضارة التي بنيت على أسس ومبادئ راسخة، وتتميز الحضارة الإسلامية عن غيرها من الحضارات بمجموعة من الخصائص والصفات، ومن أهمها أنها حضارة مصدرها الوحي، أي تعتمد على الإيمان بالله تعالى والتوحيد الكامل والمطلق، فتعطي لمختلف الأنظمة في الحياة الطابع التوحيدي القائم على الوحدة في العبودية، والربوبية، والتشريع.

 

والنظر إلى الكون والإنسان الذي يعيش فيه، وأيضا فهى حضارة إنسانية فتكرم الإنسان وتخدمه، وتهدف إلى التقدم والرقي في مختلف نواحي الحياة، وتضم مختلف الأجناس دون التفريق بينهم، وتعطيهم فرصا متساوية في الحياة، وأنها حضارة أخلاقية وهي حضارة لا تعبث بالقيم الإنسانية من خلال تبني مسمى النسبية، بل يتساوى الناس تحت لوائها دون الخضوع إلى معايير مزدوجة، وإن القيم الاخلاقية هي التي تحكمها وتنظمها، ومنها العدل، والصدق، والوفاء بالعهود، وغيرها من القيم الأخرى التي حث عليها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، حضارة عقليّة وعلمية، وهي حضارة تحث على العبادة بالتفكر والتأمل وإعمال العقل، كما يتفق فيها العقل مع الوحي، والعلم والدين.

 

ولا يناقض أو يصادم كل منهما الآخر، بل يأتي التصادم من تداخل الأهواء وقلة الوعي أو نقص موضوعية العقل، وحضارة تقوم على التسامح، إذ لم تظهر حضارة قبلها اتصفت بالتسامح كما اتصفت بها الحضارة الإسلامية، وخصوصا التسامح بين الأديان، حيث تعايشت الحضارة الإسلامية مع الأديان الأخرى، ومن الخصائص أيضا أنها حضارة العدل والمساواة والرحمة لأنها تعتمد على تكامل الجانب المادي والجانب المعنوي، وجميع الأفراد في الحضارة الإسلاميّة أمام شرع الله سواء، كما أنها توازن بين الرجل والمرأة، وبين العقل والوحي، وبين الفرد والمجتمع، وبين الدين والدنيا، فلا تصادم فيها بينهم، وهي بذلك حضارة قائمة على التكامل، وأيضا فإنها حضارة حيوية أي ترفض اليأس من الحياة.

 

وتسعى إلى تحقيق السعادة في الدنيا والآخرة، وتنادي بإعمارِ الأرض باسم الله تعالى، وأنها أيضا حضارة شاملة فتشمل أحكامها الدنيا والآخرة والكون بأكمله، وليس الإنسان فقط، كما أنها حضارة تتفاعل مع الحضارات والعقائد الأخرى، حيث نقلت العديد من الفنون والعلوم إلى أنحاء أوروبا، وقد استفادت من الحضارات الأخرى وأفادتها، وهى حضارة تراعي عادات المجتمع، ولكن يجب ألا تخالف هذه العادات والتقاليد الدين والشرع، وهى أيضا حضارة تدرك قيمة الزمن، فقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على الاهتمام بقيمة الوقت والزمن، فالإنسان سيسأل عن عمره فيما أفناه، وعلمه فيما عمل به، وماله كيف كسبه وكيف أنفقه، وجسده فيما أبلاه، وأيضا فهى حضارة صالحة لكل زمان ومكان فلا تقتصر على منطقة معينة أو فئة محددة من الناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى