مقال

الدكروى يكتب عن طريق النبي نور ” جزء 2″

الدكروى يكتب عن طريق النبي نور ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثانى مع طريق النبي نور، فإننا لو نظرنا إلى حياتنا المعاصرة لوجدنا انفصالا بين ما نقرأه ونتعلمه ونتعبد به، وبين ما نطبقه على أرض الواقع، لإن العامل الأكبر في بناء الحضارات وانتشار الإسلام في عصر النبي صلى الله عليه وسلمن والصحابة والسلف الصالح إنما هو مكارم الأخلاق الكريمة التي لمسها المدعون في هذا الجيل الفذ من المسلمين، سواء كانت هذه الأخلاق في مجال التجارة من البيع والشراء، مثل الصدق والأمانة، أو في مجال الحروب والمعارك، وفي عرض الإسلام عليهم وتخييرهم بين الإسلام أو الجزية أو المعركة، أو في حسن معاملة الأسرى، أو عدم قتل النساء والأطفال والشيوخ والرهبان، فإن هذه الأخلاق دفعت هؤلاء الناس.

 

يفكرون في هذا الدين الجديد الذى يحمله هؤلاء، وغالبا كان ينتهي بهم المطاف إلى الدخول في هذا الدين وحب تعاليمه، ومؤاخاة المسلمين الفاتحين في الدين والعقيدة وإن العامل الأساسي في قيام الحضارات والفتوحات وبناء الدولة الإسلامية، في العصور والقرون الأولى هو الأخلاق، فكان ذلك يوم أن كان الفرد يحب لأخيه ما يحبه لنفسه، وكان ذلك يوم أن كان الفرد يؤثر غيره على نفسه، وكان ذلك يوم أن كان العدل سائدا في ربوع المعمورة، وكان ذلك يوم أن كانت المساواة في كل شئون الحياة تشمل جميع الطبقات، وكان ذلك يوم أن قدمت الكفاءات والقدرات والمواهب، وهكذا فإن للأخلاق أهمية كبرى في الإسلام، فالخلق من الدين كالروح من الجسد.

 

والإسلام بلا خلق هو جسد بلا روح، فالخلق هو كل شيء، فقوام الأمم والحضارات بالأخلاق وضياعها بفقدانها لأخلاقها، فإن حسن الخلق يشمل كل جميل من الأقوال والأفعال، فهو كل مسلك مَرضى شرعا وطبعا، في التصرفات كلها والتعاملات جميعها، وحسن الخلق هو الالتزام بالآداب الشرعية الواردة في النصوص من أطايب الأقوال وجميل الفعال وحميد الخلال وشريف الخصال، وحسن الخلق هو كل تصرف يقوم به الإنسان مما يكثر معه مصافوه، ويقل به معادوه، وتسهل به الأمور الصعاب، وتلين به القلوب الغضاب، فإن مواقف صاحب الخلق الحسن في التعامل كلها حسن ورفق وإحسان وتحلى بالفضائل وسائر المكارم.

 

وإن من حسن الخلق على سبيل المثال لا الحصر هو بسط الوجه وطلاقته وبشاشته، وبذل المعروف وكف الأذى، واحتمال ما يكون من الآخرين من إساءة وزلل، ومنه كظم الغيظ والبعد عن الفضول ومجانبة المعاتبة والمخاصمة واللجاج، ومن حسن الخلق تهذيب الألفاظ وحسن المعاشرة ولطف المعشر والبعد عن السفه ومجانبة ما لا يليق ولا يجمل ولا يسمع لصاحبه في المجالس عيبة ولا تحفظ له زلة ولا سقطة، فقد قال ابن عباس رضي الله عنهما “القصد والتؤدة وحسن السمت جزء من خمسة وعشرينا جزءا من النبوة” وإن ذو الأخلاق الفاضلة تجده وقورا رزينا، ذا سكينة وتؤدة، عفيفا نزيها، لا جافيا ولا لعانا، لا صخّابا ولا صياحا.

 

ولا عجولا ولا فاحشا، فيقابل تصرفات الناس نحوه بما هو أحسن وأفضل وأقرب منها إلى البر والتقوى، وأشبه بما يُحمد ويرضى، وإن من أعظم أنواع الخلق الحسن، هو خلق الحياء في الأقوال والأفعال، وكما قال ابن القيم، فهو أفضلها وأجلها وأعظمها قَدرا، وإن من أفضل الأخلاق وأجملها هو الإيثار وستر العيوب وإبداء المعروف والتبسم عند اللقاء، والإصغاء عند الحديث، والإفساح للآخرين في المجالس، ونشر السلام وإفشاؤه ومصافحة الرجال عند اللقاء والمكافأة على الإحسان بأحسن منه، وإبرار قسم المسلم والإعراض عما لا يعني وعن جهل الجاهل بحلم وحكمة، وهكذا كل تصرف طيب يجعل كبير المسلمين عندك أبا، وصغيرهم ابنا، وأوسطهم أخا، فعلينا أن نتحلى بحسن الخلق وبسط الوجه وحب الآخرين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى