مقال

نفحات إيمانية ومع كلام المصطفي العدنان ” جزء 7″

نفحات إيمانية ومع كلام المصطفي العدنان ” جزء 7″

بقلم / محمـــد الدكــــرورى

 

ونكمل الجزء السابع مع كلام المصطفي العدنان، وعن محمد بن سيرين ربما سمعت الحديث عن عشرة كلهم يختلف في اللفظ، والمعنى واحد، وكذلك خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع خطبته وهي خطبة لم يكررها، ومع ذلك رويت بروايات عديدة، تختلف في ألفاظها وعباراتها، كما تختلف بالزيادة والنقص، مما يقطع أنها قد رويت بالمعنى دون أن يكون في ذلك حرج، ويؤيد هذا أن الله سبحانه وتعالى قد قص علينا من أنباء الرسل الكرام ما قد سبق أن قصه، فكررها بألفاظ مختلفة في مواضع متعددة، ونقلها من ألسنة أصحابها إلى اللسان العربي مع مخالفة بعضها بعضا في التقديم والتأخير، والزيادة والنقصان ولكن مع اتحاد المعنى.

 

ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسل سفراءه ورسله فينقلون رسائله ويترجمونها إلى غير اللغة العربية، مع المحافظة على معناها، وذلك ما يقطع بجواز الرواية بالمعنى عند المحافظة عليه، ولذلك مال كثير من التابعين إلى هذا الرأي، فأجازوا لأنفسهم الرواية بالمعنى عند حاجتهم إلى ذلك حتى لا يكون امتناعهم عن الرواية في هذه الحال كتمانا لما أنزل الله تعالى من حكم، وذلك ما توعد عليه سبحانه وتعالى إذ قال تعالى ” إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس فى الكتاب ” وقد اشترط لجواز الرواية بالمعنى شروط يؤمن معها التغيير في الحديث بالزيادة أو بالنقص أو الاختلاف في المعنى، فأوجبوا أن يكون الراوي.

 

ثقة في دينه معروفا بالصدق في حديثه، عاقلا لما يحدث به، عالما بما يحيل معاني الحديث، ويغيرها من الألفاظ، وذلك لا يتوفر إلا إذا كان عالما بلغات العرب ووجوه أساليبها، بصيرا بالمعاني والفقه، فمن لم يكن بهذه الصفة كان أداء اللفظ له لازما، ولم تجز له الرواية بالمعنى، وإذا توفرت هذه الشروط في الراوي كان احتمال الخطأ بالنسبة إليه أشبه بالأمر الموهوم الذي لا يؤبه له ولا يصح الالتفات إليه، ولا اتخاذه أساسا لرد القول أو تركه، وبخاصة إذا لاحظت ما كان عليه السلف من أمانة، وثقة، وورع، وصدق دين، ويقين، ولاحظت مع ذلك أن لكثير من الأحاديث على كثرتها وتعددها طرقا متعددة لا ترى خلافا بينها في المعنى، وفي تعددها أمان من وقوع الخطأ فيها من ناحية المعنى.

 

وعلى هذا الأساس يكون الظن بصحة الرواية بالمعنى قائما راجحا، ومعه يجب العمل، لما قدمنا من قيام الدليل القاطع على وجوب العمل بالظن فيما لا يتعلق بأصول الدين التي يكفر جاحدها، وهو ما علم من الدين بالضرورة، والقول في ذلك مفصل في كتب الأصول، وهكذا فلقد جاء الإسلام رحمة للعالمين وليخرجهم من عبادة الأوثان، ومن عبودية العقل للجسد وغرائزه لرقي الجسد إلى الروح وسمائها، فتحقق في الإسلام السمو الذي كانت تفتقده البشرية في عصور الضلال والانحراف والتيه الذي مرّت به، ولم يعرف التاريخ رسالة أشمل وأعظم من رسالة الإسلام، وهي الرسالة الأبدية التي أنزلها الله تعالى مع كل أنبيائه ورسله، فكانوا يدعون الناس دوما إلى خلع ما يعتقدونه من هيمنة الحجر على البشر.

 

ومن ألوهية الصنم والتمر والخشب، إلى فلك التوحيد والإيمان بالخالق الذي لا حدود لقدرته ولا تناهي لعظمته جل جلاله، كما لم يعرف التاريخ رسالة أعظم من الإسلام، فإن التاريخ لم يعرف فاتحا ولا قائدا أعظم من رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، فهو النبي الذي ختم الله به الأنبياء، وهو الذي أخرجنا الله به من ظلمات الدنيا إلى نور الدنيا والآخرة، ولكونه النبي العظيم والرسول القائد حق علينا أن ندرس سيرته وأن نعرف عن حياته وعن شخصيته وعن أبرز ملامح الفترة الزمنية التي عاشها، ولا يكون هذا إلا بدراسة السيرة النبوية ومعرفة الحياة العامة والخاصة للنبي صلى الله عليه وسلم، وأما عن وجوب العمل بخبر الآحاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى