مقال

نفحات إيمانية ومع كلام المصطفي العدنان ” جزء 3″

نفحات إيمانية ومع كلام المصطفي العدنان ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكــــرورى

 

ونكمل الجزء الثالث مع كلام المصطفي العدنان، وأن رجلا من الأنصار كان يشهد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يحفظه، فيسأل أبا هريرة رضى الله عنه فيحدثه، ثم شكا قلة حفظه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم “استعن على حفظك بيمينك” وما رواه رافع ابن خديج أنه قال قلنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنا نسمع منك أشياء أفنكتبها؟ قال صلى الله عليه وسلم “اكتبوا ولا حرج” وما رواه أنس بن مالك رضى الله عنه أنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “قيدوا العلم بالكتاب” وما روي عن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام في الناس بعد فتح مكة فخاطبهم، فقام رجل من أهل اليمن.

 

يقال له أبو شاه، فقال يا رسول الله اكتبوا لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” اكتبوا له ” رواه أحمد، وما روي عن ابن عباس رضى الله عنهما قال لما اشتد المرض برسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده” قال عمر إن النبي صلى الله عليه وسلم غلبه الوجع، وعندنا كتاب الله حسبنا، فاختلفوا وكثر اللغط، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” قوموا عني ولا يبقى عندي التنازع ” رواه مسلمن وقد اختلفت الآراء في التوفيق بين ما ورد من السنة دالا على كراهة كتابتها، وما ورد منها دالا على إباحتها، إذ الظاهر من أحاديث الأمر بكتابتها أن الأمر فيها يراد به الإباحة والإرشاد لا الوجوب، بدليل عدم شيوع كتابتها.

 

وعدم انتشارها في عهده صلى الله عليه وسلم إذ لم يقم بكتابتها إلا القليل الذي لم يكتب مع ذلك إلا جزءا قليلا منها، كما روي ذلك، فذهب بعض العلماء إلى أن النهي عن كتابتها إنما كان في بداية الإسلام خشية اختلاط السنة بالقرآن، فإن العهد كان عهد بداوة، ولم يكن يعرف القراءة والكتابة من المسلمين يومئذ إلا القليل، ولم يكن من الميسور له الحصول على ما يكتب فيه إلا أن يكون شيئا من العسب، واللخاف، ورقيق الحجارة، ونحو ذلك مما لا يتسع لكثير من الكتابة، ولا يتيسر الحصول عليه بكثرة، فكان من المحتمل القريب الوقوع أن تكتب السنة والقرآن في مكتوب واحد، ولا يكون من وراء ذلك إلا الاختلاط، كالذي حدث لبعض الناس من الخلط بين القرآن.

 

وما ألحقه به بعض القراء من كتابة كلمات أريد بها تفسير بعض كلماته، فظن بعض من شاهد ذلك أنها من القرآن، ولما شاع القرآن بينهم وانتشر حفظه، وعمت معرفته زال هذا الخوف، فنسخ النهي عن كتابة السنة، وأصبحت كتابتها جائزة، وإلى هذا ذهب كثير، منهم الرامهرمزي في كتابه “المحدث الفاصل” وابن قتيبة في كتابه “تأويل مختلف الحديث” ورجحه بعض العلماء استنادا إلى أن حديث أبي شاه كان في أواخر حياته صلى الله عليه وسلم وإلى أن أكثر ما روي عن أبي هريرة رضى الله عنه كان في إباحتها، إذ إن إسلام أبي هريرة رضى الله عنه كان متأخرا لم يدرك النهي عنها إلا مدة قصيرة، وإلى ما رواه ابن عباس رضى الله عنهما من طلب النبي صلى الله عليه وسلم.

 

أن يؤتى بكتاب في مرضه ليكتب فيه ما لا يضل الناس بعده، ثم إقدام أبي بكر الصديق رضى الله عنه على كتابة بعض الأحاديث، ومحوها خوفا من أن تكون كتابته ذريعة إلى ترك بعض الأحاديث التي لم يكتبها بحجة أنها لو صحت لكتبت كما روي ذلك عنه، وهذا إلى تفكير عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته في جمعها، ثم عدوله عن ذلك كما روي خشية إكباب الناس عليها وتركهم كتاب الله، وإلى انتشار كتابتها وشيوعها بعد ذلك، فكل هذا يرجح أن النهي عن كتابتها قد كان ثم نسخ، وذهب بعض العلماء إلى أن النهي عن كتابتها إنما كان بالنسبة لمن يوثق بحفظه، ممن لا يخشى عليه الغلط، خوف اكتفائه بالكتابة، وعندئذ لا يؤمن معها التحريف، ولا عدم الضياع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى