مقال

النت والعبادة ” جزء 1″

النت والعبادة ” جزء 1″

بقلم / محمـــد الدكــرورى

 

أيها الآباء اتقوا الله في أبنائكم، وربوهم على حب الله وخوفه ورجاء ما عنده، ربوهم على منهج الله، وعودوهم على الطاعة، وعلموهم العبادة، ربوهم على أن يعيشوا في الدنيا بمنظار الآخرة، فيتزودوا من ممرهم لمقرهم، حتى تكونوا وإياهم في الجنة في شغل فاكهين، وعلى الأرائك تنظرون، فلقد جاء التحذير من خطر اللسان في كتاب الله عز وجل وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وحذر من مخاطره وآفاته العلماء والوعاظ، وما من مؤمن إلا ويستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم ” وهل يكب الناس على مناخرهم فى جهنم إلا من حصائد ألسنتهم” وقوله صلى الله عليه وسلم ” إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها يهوى بها فى النار أبعد ما بين المشرق والمغرب” ولكن كان هذا في زمن كان فيه اللسان ملك البيان، أما اليوم فقد تغيرت الحال.

 

فصارت أصابع كثير من الناس تتحدث أكثر من ألسنتهم بما فتح الله عليهم من علوم الاتصال والتواصل بل أثرت تلك الأجهزة والبرامج على بعض الناس في دينهم، فنشرت عبرها عقائد فاسدة، وعبادات مبتدعة، وشركيات خطيرة على العبد وعلى المجتمع، ووراءها من يروّجها، مثل الكهانة والتنجيم وادعاء علم الغيب وغيرها من أنواع الشرك التي يقع فيها أبناء المسلمين دون علم منهم لضحالة علمهم، وبُعدهم عن أهل العلم ومجالسهم وعلاوة على ما نراه من تأثير على العبادات فكم نرى من الشباب من هو مشغول بين الأذان والإقامة في المسجد بجهازه، فقد أشغله عن ذكر الله وعن قراءة القرآن، وكم من قارئ للقرآن أمسك عن القراءة واشتغل بالمحادثة ومصحفه في حجره، ومنهم من لا يكاد يُسلم من صلاته إلا ويلتقط جهازه لينظر فيه قبل الأذكار.

 

وكم رأينا من المعتكفين من يُمضون أكثر أوقاتهم في المحادثات وينشغلون بها عن القرآن والذكر والصلاة، ومن الحُجّاج من تشغلهم عن الدعاء في أفضل المواطن، وتلهيهم عن التعبد في المشاعر، وغير ذلك كثير مما لا يخفى، حتى أصبحت سببا من أسباب الصد عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة، فعلى من وجد في نفسه شيئا من ذلك أن يسارع لإصلاح حاله لئلا يذهب عليه دينه، ولقد غيّرت تلك الأجهزة والبرامج الأخلاق والسلوك والتعامل بين الناس فأصبحت البيوت الحيّة بحديث أهلها صامتة كأنها خالية، واستبدلت مجامع الناس للحديث والمؤانسة بمقاه مظلمة، وبيوت الأجداد والجدات التي تعج بالضوضاء في آخر الأسبوع، حيث يجتمع الأولاد والأحفاد، أطبق عليها صمت عام حيث يأتي كل واحد منهم متأبّطا جهازه، الصغير منهم والكبير، والذكر والأنثي.

 

فإذا أدى السلام اتجه لزاوية من زوايا الغرفة أو ناحية من نواحي المنزل فيعيش معهم بجسده، أما روحه وعقله فمع جهازه، حتى إنه ليكلم فلا يسمع، ويُسأل فلا يجيب، ولا يتحرك من مكانه إلا بهزّ جسده أو أن يُحال بين بصره وجهازه وقد يجوع وهو لا يعلم أنه جائع، ويعطش وهو لا يعلم أنه عطشان، وإن دُعي إلى طعام أشار بيده، وإن كرر عليه غضب، فهو سادر في جهازه لا نائم ولا يقضان، ولا ذو عقل ولا سكران، ولن أطيل في وصف حاله فكثير منا يعلمها ويعرفها وقد أودت هذه الوسائل في كثير من الأحيان إلى العقوق، فالجدّة تسأل ولا أحد يجيبها، وتتحدث ولا أحد ينصت لها، فإذا شعرت بذلك صمتت منكسرة النفس من أقرب الناس إليها وترى الولد مع أمه أو مع أبيه ولا يشاركهم في حديث، جهازه بين يديه ومشغول معه بنظره وعقله.

 

وإن استحيا حاول الجمع بينهما حتى إذا أعياه التركيز اختار البرّ إن كان من الخيار فأقفل جهازه، وإلا اختار العقوق والعياذ بالله؛ وتخلص من مأزقه بالاستئذان في الخروج، وما له من حاجة إلا أنه يريد أن يحادث جهازه ولو أنه أشرك أمه وأباه فيما يرى ويقرأ لسرهما بذلك، ولكنه لا يفعل، ربما لأن ما يشاهده وما يقرؤه لا يسرّ ولا ينفع بل ربما يُحزن ويضر والواجب على الولد إذا كان بحضرة أحد أبويه أن يقفل جهازه، ويُقبل عليه بكليته، ويصغي إليه، ولا ينشغل عنه، إلا إذا كان سيشركه فيما يقرأ ويشاهد، ويعلم محبتة لذلك ومن سوء الأدب أن ينشغل الجليس عن جليسه بمحادثة أو نحوها، إلا أن يستأذنه لأمر لا يحتمل التأخير ومن المآسي التي جلبتها هذه الأجهزة والبرامج أنها قرّبت الرجال من النساء، والشباب من الفتيات، فأوقعت في كثير من البيوت الريب والشكوك، وأودت بكثير من الأزواج والزوجات إلى عتبة الطلاق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى