مقال

رؤية دولية جديدة لأكاديمية مصرية لتفسير التسييس الأمريكى لأولمبياد بكين الشتوى أيديولوجياً فى “عصر ما بعد الحقيقة”، من خلال تقديم نظريات ومداخل تفسيرية جديدة:

رؤية دولية جديدة لأكاديمية مصرية لتفسير التسييس الأمريكى لأولمبياد بكين الشتوى أيديولوجياً فى “عصر ما بعد الحقيقة”، من خلال تقديم نظريات ومداخل تفسيرية جديدة:

تحليل الدكتورة: نادية حلمى

الخبيرة المصرية فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية- أستاذ مساعد العلوم السياسية جامعة بنى سويف

منذ أن بدأت تخصصى الأكاديمى فى الشأن السياسى الصينى المعاصر والدراسات الشيوعية المعاصرة، بالتركيز على تتبع خريطة إنتشار وتمدد الأحزاب الشيوعية حول العالم، وقوى اليسار الجديد فى أوروبا والمنطقة والعالم، ثم تركيزى اللاحق – وفقاً للوضع الراهن لمجابهة الأحداث المعاصرة – فى تتبع ملامح الصراع والتنافس الأمريكى مع الصين، أدركت فوراً بأننا كأكاديميين متخصصين فى العلوم السياسية والدراسات الصينية، وغيرها من كافة الدراسات والعلوم الإجتماعية المختلفة فى حاجة ملحة وماسة لإستخلاص وتقديم نظريات تحليلية وتفسيرية جديدة، وبعد إنتشار جائحة كورونا “كوفيد-١٩”، وما إستتبعها من محاولات أمريكية وغربية من أجل “تسييس الجائحة” وتحقيق أهداف سياسية من ورائها فى مواجهة الصين. فلقد أدركت فوراً بعد كل تلك الأحداث المتعاقبة، بأننا قد إنتقلنا فعلياً أكاديمياً ونظرياً لمرحلة “الما بعديات”. بمعنى:

أننا قد تعدينا مرحلة الديمقراطية إلى “ما بعد الديمقراطية الأمريكية والغربية وهى الإستبدادية”، وذلك وفقاً لرؤيتى لطبيعة الأحداث الواقعية الراهنة، بل ووفق تصورى الجديد أن الصين الآن باتت تعيش فى مرحلة جديدة، هى “مرحلة ما بعد الشيوعية”، وهى المرحلة المسئولة التى باتت تستوجب من الصينيين وقادة ورفاق الحزب الشيوعى الحاكم فى الصين إستخلاص نظريات معرفية جديدة لمواجهة حالة “الإستبدادية الليبرالية والديمقراطية الطارئة التى تقودها الولايات المتحدة الأمريكية والغرب فى مواجهة الصين والدول النامية والمهمشة والفقيرة لصالح تزايد الفجوة بين الشمال الغنى ودول الجنوب الفقيرة”.

وربما، فإن حالة الإنسحاب الأمريكى التدريجى من منطقة الشرق الأوسط إلى آسيا، بالقرب من مناطق النفوذ الصينى المباشر، باتت تستلزم منا كأكاديميين ومتخصصين فى الشؤون السياسية الصينية، وضع نظريات جديدة، تناسب طبيعة المرحلة. ولعل إتفاقى مع العديد من زملائى الأكاديميين حول العالم من الخبراء والباحثين فى الشأن الصينى، حول ضرورة الإنتقال إلى الصين فى الفترة المقبلة لفهم كافة التغيرات والمعطيات الدائرة هناك، وهو الأمر الذى سيتيح لى أكاديمياً العمل مع الرفاق الصينيين تحليلياً وبحثياً فى ملفات مهمة وعديدة تخص طبيعة المرحلة العالمية الدقيقة، وفق ما تقتضيه من تفسيرات ونظريات مختلفة عن المرحلة السابقة عليها.

فلقد أصبحت أكثر إيماناً الآن، بأننا نعيش فترة تحدى حقيقى حتى على المستوى الأكاديمى والبحثى، تتطلب التخطيط لإنتاج وتحليل مداخل نظرية وتفسيرية جديدة، أو “ثورة تحليلية لإنتاج مجموعة من النظريات المعاصرة”، والتى بت أطلق عليها شخصياً، بأننا الآن (نعيش فى مرحلة إنقطاع وإنفصال أكاديمى وبحثى ونظرى جديد، يختلف تمام الإختلاف عما سبقه من مراحل عديدة أخرى، بالنظر لوصولنا وفق إعتقادى الشخصى ورؤيتى التحليلية والتفسيرية كخبيرة فى الشأن السياسى الصينى إلى “مرحلة الما بعديات”، أى ما بعد كل شئ، وهو ما يتطلب النظر من جديد لشكل المستقبل الراهن من زوايا أخرى مختلفة عما سبقها). وبناءاً عليه، سأحاول تقديم وصياغة نظريات تفسيرية جديدة لربطها بقضية “التسييس الأمريكى لأولمبياد بكين الشتوى أيديولوجياً” ثم تطبيقها عملياً لتحليل آليات وأسس الدور الصينى الجديد للتعاطى مع تلك الأحداث، من خلال طرح نظريات وتفسيرات جديدة تربط بين الماضى والحاضر وصولاً بالمستقبل، وذلك على النحو التالى:

– أولاً: التسييس الأمريكى للأحداث الرياضية وأولمبياد بكين الشتوى، وعلاقته بعصر ونظرية “ما بعد الحقيقة”

وفقاً لتحليلى الدولى الأكاديمى الجديد، وبصفتى البحثية والأكاديمية المتواضعة كخبيرة فى الشأن السياسى الصينى المعاصر ودراسات الحزب الشيوعى الصينى، يمكننى تقديم عدة مداخل تحليلية وتفسيرية عديدة لفهم ملف وأسباب “التسيسس الأمريكى والغربى لملف إستضافة دورة الألعاب الأولمبية الشتوية فى بكين”، وربطه بنظريات دولية جديدة للباحثة المصرية، وفقاً لرؤيتى وتحليلى الشامل للأحداث. وذلك على النحو الآتى:

١) إن العالم الآن يعيش وفق تتبعى وتحليلى الدقيق للأحداث فى مرحلة باتت بعيدة كل البعد عما درسناه سابقاً من نظريات سياسية ودولية فى جامعاتنا وتخصصاتنا الأكاديمية فى أقسام العلوم السياسية فى العالم العربى كله، والتى أدركت بعد تخرجى وتخصصى فى “الملف الصينى والشأن السياسى الصينى المعاصر والآسيوى ودراسات ونظريات الحزب الشيوعى الصينى”، بأن العالم العربى كله ومنطقتنا بأسرها قد وقعت أسيرة للفخ الأمريكى والغربى فى دراسات العلوم السياسية ونظريات العلاقات الدولية، وإتضح لى أننا – وربما بدون قصد منا – قد تم توجيهنا لدراسة نظريات أمريكية وغربية بالأساس فى مجالات العلوم السياسية وعلاقاتها الدولية المعاصرة، بل ومن وجهة نظر واحدة تماماً ومتحيزة.

٢) لذا، كنت ربما الأكاديمية المصرية والعربية الوحيدة التى دفعت الثمن غالياً بمطالبتها “تعديل كافة مناهج البحث والنظريات فى العلوم الإجتماعية السياسية وإدخال كافة النظريات السياسية الصينية والآسيوية جنباً لتلك الدراسات الأمريكية والغربية، لعمل توازن بحثى وأكاديمى حقيقى، وحتى لا يعيش باحثونا فى فجوة أكاديمية ومعرفية عميقة”، خاصةً مع إنقطاع الصلة بينهم وبين المدارس النظرية الأكاديمية والبحثية الصينية والآسيوية المتخصصة فى دراسات الصراع والمناطق، والتى تقدم مداخل تحليلية وتفسيرية مختلفة لدراسات العلاقات الدولية والإقليمية وكيفية إدارتها بشكل متوازن وعميق.

٣) وربما قد يتساءل البعض عن أسباب خلطى للأمور بتقديم تحليل يخص “قضية التسييس الأمريكى والغربى لأولمبياد بكين الشتوى وعلاقته بعمل مراجعة بحثية وتحليلية شاملة جديدة فى كافة فروع العلوم الإجتماعية والسياسية والدولية النظرية، لمراعاة التجديد فى الشؤون الدولية بالإستعانة جنباً إلى جنب بالنظريات الدولية التفسيرية الصينية والآسيوية”. لأننى قد بت مؤمنة ومدركة تماماً الآن أننا فعلياً نعيش فى “عصر الما بعديات، وتحديداً عصر ما بعد الحقيقة فى كل شئ”.

٤) وهنا نجد بأن المقصود من “عصر ما بعد الحقيقة”، هو ذلك العصر الذى ليست الغلبة فيه لمن يقول الحقيقة، وإنما لمن يعرف كيف ينشر ما يقوله على نطاق واسع بإتباع وسائل تواصل مختلفة تؤثر على الرأى العام، حتى بإفتراض عدم دقتها، فهو العصر الذى قد تكون فيه الحقيقة الإفتراضية، أو الواقع الإفتراضى، أشد تأثيراً من الواقع الفعلى، بل وقادر على تحريك كافة الأحداث الموجودة بحيث تكون (السيادة للأكذوبة وليس للحقيقة)، ومن هنا، فالجميع يعلم مدى إمكانية الإستخدام الأمريكى والغربى لبعض الأحداث، ثم إعادة تدويرها والوضع عليها والأخذ أو القص منها بما يناسب (تلك الحقيقة التى تود الولايات المتحدة الأمريكية ترويجها حول العالم، وذلك ما ينطبق فى نطاق المواجهة الحالية بين واشنطن وبكين، خاصةً فى ملف تسييس أولمبياد بكين الشتوى لصالح أجندة أمريكية معادية للصين).

٥) وأعتقد بأن شكل التطبيق العملى الذى أقصده تحديداً الآن بشأن قضية التسييس الأمريكى لأولمبياد بكين الشتوى، ومحاولة الساسة الأمريكان تشويه صورة الصين، حيث أن شكل المعركة الراهنة الآن بين الولايات المتحدة وحلفاؤها وجمهورية الصين شعبية، باتت معركة تتعلق (ليس بمن يملك الحقيقة، وإنما بمن هو قادر على نشر ما يريد من أكاذيب وروايات مفبركة وباطلة بشكل أوسع وأكثر تأثيراً من غيره، حتى وإن كانت تلك ليست هى الحقيقة كما تفعل الولايات المتحدة الأمريكية فى مواجهة الصين وإستضافتها للأولمبياد الشتوى الحالى).

٦) ووفقاً لرؤيتى التحليلية والتفسيرية، فإن ذلك يتماشى منطقياً مع ما أكده مدير جهاز المخابرات الخارجية الروسى “سيرغى ناريشكين” فى تصريحات علنية له فى ١٨ يناير ٢٠٢٢، بتأكيده أنه:

“لدى روسيا الكثير من المعلومات حول تصرفات الولايات المتحدة وحلفائها لتشويه سمعة الألعاب الأولمبية الشتوية فى بكين، وكيف شاركت واشنطن مع حلفاؤها فى إستفزاز واسع النطاق، مع تدخل خبيث فى الإستعدادات لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية فى بكين. وكان بطل هذه العمليات هو “وزارة الخارجية الأمريكية” نفسها، والتى كانت تنسق كافة الأنشطة المناهضة للصين والمتعلقة بدورة الألعاب الأولمبية الشتوية من خلال إستخدامها كافة المنظمات غير الحكومية، وسائل الإعلام الخاضعة لسيطرتها، وقد إنتهجت الولايات المتحدة الأمريكية نفس الأساليب مع روسيا بالضبط عند الإعلان عن تنظيم دورة الألعاب الأولمبية الشتوية فى مدينة “سوتشى” عام ٢٠١٤ فى روسيا”

٧) وتعيد هذه المقاطعة الأمريكية لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية فى بكين عام ٢٠٢٢، من قبل إدارة “جو بايدن”، التذكير بتلك المقاطعة الأمريكية السابقة التى وقعت فى عام ١٩٨٠، حين سحبت واشنطن رياضييها من “أولمبياد موسكو الشتوى”، وذلك من أجل (الإحتجاج على الغزو السوفييتى السابق لأفغانستان في العام لها مباشرةً عام ١٩٧٩). وفى المقابل، عمد الإتحاد السوفييتى السابق إلى حشد حلفاؤه فى مواجهة السياسات الأمريكية، حيث (قاطع الإتحاد السوفييتى السابق وحلفاؤه دورة الألعاب الأولمبية الصيفية فى لوس أنجلوس)، والتى إستضافتها الولايات المتحدة الأمريكية فى عام ١٩٨٤.

٨) وجاء الرد الصينى على “التسييس الأمريكى لأولمبياد بكين الشتوى وللأحداث الرياضية”، بوصف ذلك بالأمنيات الأمريكية الفاشلة، حيث وصفت الصين إمكانية المقاطعة للأولمبياد الشتوى الذى تستضيفه بأنها أمنيات، بالنظر إلى أنه (لم تتم دعوة أى مسئولين أمريكيين من قبل الحكومة الصينية بالأساس إلى دورة الألعاب الشتوية فى بكين).
وأخيراً، يمكننا هنا توضيح مدى تأثير تلك المقاطعة الأمريكية على دورة الألعاب الشتوية الحالية فى الصين، ففى إعتقادى بأن “تلك المقاطعة الدبلوماسية الأمريكية لأولمبياد بكين الشتوى لن تؤثر إطلاقاً على المجريات الرياضية للألعاب”. والدليل على صحة ذلك، هو ما أعلنته رسمياً المتحدثة بإسم البيت الأبيض “جين بساكى”، بالتشديد على أن:

“من حق كافة الرياضيين الأمريكيين المشاركة والمنافسة فى أولمبياد بكين الشتوى، فهم أحرار فى ذلك، وأن الولايات المتحدة الأمريكية ستساندهم مئة بالمئة بتشجيعهم من الوطن، عوضاً عن التواجد بجانبهم فى بكين”

وبناءاً على تلك التصريحات الأمريكية الرسمية بالسماح للرياضيين للمشاركة فى أحداث أولمبياد بكين الشتوى، فيمكننا إستنتاج أن الولايات المتحدة الأمريكية تتبع “سياسة الباب المفتوح مع الصين”، لعلمها بأن قرار المقاطعة الأمريكية الشامل سيكون لها قطعاً تأثيراً أوسع على العلاقات، ما قد يؤدى الى تعقيد جهود إدارة “بايدن” فى إحراز تقدم مع بكين في قضايا، مثل: (المحادثات والمفاوضات التجارية والإقتصادية، محادثات الحد من التسلح، جهود تهدئة التوترات بشأن تايوان)، وغيرها.

– ثانياً: تحليلى لرؤية نظرية المواجهة الصينية فى “مرحلة ما بعد الشيوعية” لمرحلة ونظرية “ما بعد الديمقراطية والليبرالية الأمريكية والغربية الإستبدادية”، وتطبيقه على ملف أولمبياد بكين الشتوى

وفقاً لفهمى وتحليلى لآلية المواجهة الصينية الحالية المناسبة فى مواجهة تلك الإستبدادية الأمريكية لمقاطعة الأولمبياد الشتوى فى بكين، فالواقع أن الولايات المتحدة الأمريكية قد أعلنت منذ البداية، بأنها فى حالة (مواجهة أيديولوجية منظمة بين أيديولوجيات وتحالفات ديمقراطية ضد أيديولوجية إستبدادية شيوعية تمثلها الصين وأتباعها)، فبات قرار التبرير الأمريكى الضيق لقرار مقاطعة الألعاب الأولمبية الشتوية فى بكين، يتمحور حول (معارضة دول ديمقراطية لمشاركة الأعداء الأيديولوجيين لها).

ومن هنا، حاولت كخبيرة متخصصة فى الشأن السياسى الصينى وسياسات الحزب الشيوعى الصينى المعاصر، من تقديم تفسيرات ونظريات مختلفة عن المرحلة السابقة، بالنظر إلى أننا نعيش مرحلة “الما بعديات”، وهذا يستلزم منا كأكاديميين ومتخصصين فى الشؤون الصينية والسياسية والدولية، تقديم نظريات تفسيرية وتحليلية عديدة تناسب طبيعة المرحلة الراهنة، والعمل على تطبيقها على شكل المواجهة الحالية بين الولايات المتحدة الأمريكية مع الصين، وذلك من خلال:

١) إن التاريخ المعاصر يؤكد لنا أن قرارات مشابهة للمقاطعة الدبلوماسية لأحداث رياضية بالأساس، يتخذ (شكل أيديولوجى)، وذلك على غرار التبرير الأمريكى الأيديولوجى الضيق فى رؤيتها للصين وللسياسات الشيوعية وتقسيم العالم ثنائياً لأنظمة شمولية إستبدادية وأخرى ليبرالية ديمقراطية: فعند بحثى التاريخى لأحداث أخرى مشابهة للموقف الأمريكى الرافض للمشاركة، فوجدت عدة أحداث متشابهة لذلك، مثل: (قرار عدم مشاركة الدول الإسلامية للإحتجاج على وجود الرياضيين الإسرائيليين فى ألعاب أو منافسات رياضية، أو غياب كوريا الشمالية عن أولمبياد عام ١٩٨٨، والذى إستضافته عدوتها كوريا الجنوبية فى العاصمة سيول). ولكن تبقى المقاطعة التى حدثت فى (دورة الألعاب الأولمبية الشتوية فى موسكو عام ١٩٨٠)، هى الأكبر فى تاريخ الألعاب الرياضية العالمية، بعدما قرر الرئيس الأمريكى “جيمى كارتر” عدم إرسال رياضيين من بلاده إلى ألعاب موسكو إحتجاجاً على الغزو السوفيتى لأفغانستان، فرد السوفييت بعد أربعة أعوام من ذلك بمقاطعة أولمبياد لوس أنجلوس بالولايات المتحدة الأمريكية. والتأثير الأكبر لكل من هاتين المقاطعتين كان على جدول ميداليات المنافسات الرياضية، إذ إستفاد كل طرف من غياب الآخر لزيادة عدد ميدالياته.

٢) لابد من ضرورة تقديم نظرية جديدة تتعدى الشيوعية، وإن كانت مرتبطة بها بالأساس، تسمى “الما بعد أو ما بعد الشيوعية”، بالنظر للتغيير الدولى الجذرى الراهن: تتمثل وجهة نظرى البحثية والأكاديمية المتواضعة كخبيرة فى الشأن السياسى الصينى، ومتخصصة فى دراسات الحزب الشيوعى الصينى وسياساته داخلياً وخارجياً، فى تقديم “مدرسة شيوعية معاصرة حديثة تناسب الواقع السياسى العالمى، بل وقادرة على فرض نفسها فى مواجهة سياسات التنافس الأيديولوجى الأمريكى ضد الصين”. وهذا ما يستلزم منا كأكاديميين ومتخصصين فى مجالات العلوم السياسية، وبصفة خاصة تقسيمنا أكاديمياً وعلى المستوى الدولى كما تفاجئت من الأكاديميين الغرب إلى (أكاديميين فى حقل الدراسات الصينية والأمريكية)، بالنظر إلى أن طبيعة العمل الأكاديمى الراهن فى حقل العلوم السياسية والنظم السياسية المقارنة، كتخصص دراسى دقيق لى، فضلاً على مسارات العلاقات الدولية والعلوم الإجتماعية عموماً، فى حاجة ملحة وماسة لإستخلاص وتقديم نظريات أخرى.

٣) أما عن نظرية المواجهة الصينية فى “مرحلة ما بعد الشيوعية”، فنجد أن الإستعمال الحديث للمصطلح، فى وجهه الإيجابى، يعكس (تطلعاً شيوعياً عالمياً إلى إعادة بناء وإنتاج بدائل أخرى لطرق المواجهة الأيديولوجية مع الولايات المتحدة الأمريكية): فتلك المواجهة الصينية الشيوعية، إن لم تكن ملموسة فى الوقت الحالى، إلا أنه لابد من تحديدها وإقتراحها كإحتمال ممكن لإطار وشكل المواجهة القائمة أيديولوجياً بين واشنطن وبكين، مثل تهيئة الظروف الإجتماعية والقوى السياسية الكفيلة بتحريكه وفرضه على أرض الواقع. من هذه الزاوية فقط يمكن أن نفهم (أسباب الدعوة لعودة المسألة الشيوعية فى فرنسا ووضع قواعد وأسس جديدة “ما بعد شيوعية” تناسب طبيعة المرحلة الحالية)، كذلك نلاحظ تلك الأصداء التى تلقاها كتاب مفكرين شيوعيين فرنسيين، أمثال: (ألان باديو، أنطونيو نيغرى، جان لوك نانسى، جاك رانسيير)، وذلك إلى جانب كتاب ماركسيين فرنسيين لم ينكروا أبداً إنتماءهم إلى الشيوعية، أمثال: (لوسيان سِيف، أندرى توزيل، جاك بيدى، دانيال بنسعيد).

٤) إن الحاجة لوضع “نظرية ما بعد الشيوعية”، وشرح وتفسير الأسس التى تقوم عليها بالنظر إلى طبيعة المرحلة الراهنة، بمعنى: إعادة النظر فى الموروثات المعقدة والمتنازع عليها للشيوعية الصينية بشكلها التقليدى الذى يتمحور حول “التجسيد العقائدى للشيوعية الصينية” للآباء المؤسسين لها ولحزبها الشيوعى: فربما مع الإحترام الشديد لقيم وبناء “الأفكار الماوية”، إلا أنه بات ملحاً التطور إلى “أفكار وأشكال خطاب سياسى معاصر” يناسب الجميع فى الداخل والخارج، والأهم قادر على الرد بحزم على كافة مشروعات الديمقراطيات الليبرالية التى تحاول الولايات المتحدة الأمريكية تزعمها عالمياً عبر شبكة تحالفاتها لمواجهة الصين، ويبقى هذا التنقيب النقدى لأسس “ما بعد الشيوعية”. بات أكثر ضرورة وحيوية. وهنا بإمكاننا تطبيق نظرية ما بعد الشيوعية الصينية فى عنوان العمل، وليس فقط تمحورها حول الرفيق المؤسس للصين “ماوتسى تونغ” بل ستنطلق من “الماوية” إلى مرحلة الإعتراف بأن الأفكار التحررية فى الفكر الصينى كانت دائماً حصيلة إنتاج جماعى وليس فردى كالغرب.

٥) إن الأفكار والأسس المقترحة لما بعد مرحلة الشيوعية، يجب أن تتجاوز بالأساس التأثير الهائل الذى مارسه “ماو تسى تونغ” على الفكر والخطاب السياسيين فى الصين الحديثة تحديداً ورفاق الحزب الشيوعى الصينى: وهنا بات لزاماً على القادة الحاليون فى الحزب الشيوعى الصينى بتذكير أنفسهم فى (عدم حصر أفكار وتطلعات ووعود الشيوعية الصينية على فرد أو وقت أو زمن معين بل أنها أفكار وتطلعات للأمام برؤية مستقبلية شيوعية معاصرة، بحيث تتجاوز “الماوية” نفسها وقادرة على البناء عليها). وستشير “مرحلة ونظرية ما بعد الشيوعية الصينية” بهذا الطرح، إلى طرق جديدة للتفكير والتحدث وممارسة السياسة التى تضمنت مشاركة مئات الملايين من أبناء الشعب الصينى. وكما هو معروف، لم يؤلف أو يكتب الزعيم “ماو تسى تونغ” جميع النصوص الموقعة بإسمه. بل كانت “الأفكار الماوية” هى الشكل الذى إتخذته الشيوعية الصينية لسنوات عديدة فى لغة الخطاب السياسى التقليدى السائد أيديولوجياً لتعليم الشعب الصينى وجماهيره أسس القيادة والإلتفاف حول قادة الحزب الشيوعى، ومواجهة التحديات.

٦) وربما ستتوقف “النظرية ما بعد الشيوعية للصين المعاصرة” على ضرورة (تبنى الصين لنهجين ونمطين مختلفين للخطاب المعاصر فى مواجهة السياسات الأمريكية الراهنة)، خطاب نحو الأمة والشعب الأمريكى ذاته، وخطاب آخر لمواجهة الساسة الأمريكان: فما أستوقفنى فى هذا الشأن، هو فشل الحكومة الأمريكية ذاتها فى إقناع العديد من كبرى الشركات الأمريكية نفسها فى المشاركة فى لعبة “تسييس ملف أولمبياد بكين الشتوى” بالمشاركة مع دولتهم فى المقاطعة الدبلوماسية للأولمبياد. فلقد رفضت العديد من كبرى الشركات الأمريكية الرضوخ لمطالب حكومتها الأمريكية فى “تسييس الأولمبياد”. فعلى رغم جهود الإدارة الأمريكية المنظمة والنشطاء والحقوقيين البارزين المقربين منها للتدخل فى إقناع الشركات وكافة المصالح الأخرى بعدم المشاركة ومقاطعة أولمبياد بكين الشتوى. وهذا يستلزم من “الصين فى مرحلة ما بعد الشيوعية” تبنى خطاب مختلف يلتف حوله أبناء الشعب الأمريكى الرافضين لسياسة حكومتهم.

٧) والأمر الجدير بالذكر والتحليل هنا، هو رفض معظم تلك الشركات الأمريكية والغربية لإلغاء رعايتها للأولمبياد، بل وإعلانها ضمنياً عن بثها لأولمبياد بكين الشتوى عبر شبكة قنواتها الخاصة: فقد رفضوا المشاركة مع إدارتهم الأمريكية والسياسيين فيما أسموه “خطر الإساءة للصين”، بل وتحدى الساسة الأمريكان بشكل علنى لصالح الصين، عبر تصريحهم علناً بالتمسك بكافة الإتفاقيات التجارية مع الصين. كما أعلن المئات من الرعاة وكبرى الشركات الأمريكية الدعائية عن المشاركة فى تغطية الأولمبياد دعائياً وتجارياً، وأعتبر العديد من الرعاة والجهات والشركات الأمريكية الراعية للحدث الرياضى الدولى فى بكين، جمهورية الصين الشعبية كواحدة من أكبر أسواقهم العالمية على الإطلاق، وعدم إستعدادهم جميعاً للإضرار بمصالحهم لصالح قضايا سياسية لا يولونها أى إعتبار.

٩) جاء إعلان كبرى القنوات الأمريكية الخاصة عن نقل وبث مباريات وألعاب وكافة أحداث أولمبياد بكين الشتوى علنياً فى تحدى صارخ لأوامر حكومتها وإدارتها الأمريكية وقرارتها المسيسة ضد الصين: وتأتى على رأس أهم تلك الشبكات الإعلامية الأمريكية والتى تحدت المقاطعة الدبلوماسية الأمريكية للأولمبياد فى الصين، هى “شبكة قنوات إن بى سى”، والتى قد إستفادت قطعاً من تجربة سابقة مماثلة لها بإلغاء بث أولمبياد موسكو عام ١٩٨٠، بناءاً وقتها على أوامر من الحكومة الأمريكية لمقاطعة الألعاب الأولمبية الشتوية الروسية حينئذ، إلا أنها تكبدت وقتها خسائر فادحة لتسييس الأولمبياد والأحداث الرياضية لصالح قضايا سياسية بين حكومتهم وغيرها. بل وأعلنت العديد من شبكات القنوات الأمريكية نقل أولمبياد بكين الشتوى، والتصريح بأن “مبيعات الإعلانات والدعاية لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية فى بكين كانت قوية، وإستمرت ممتدة لآخر لحظة، بالنظر لأهمية الحدث الرياضى العالمى الذى تستضيفه الصين”.

١٠) ولم يتوقف تحدى الإدارة الأمريكية للمشاركة فى أحداث أولمبياد بكين الشتوى من داخلها سواء على مستوى الرياضيين أو الشركات والرعاية الأمريكيين، بل إمتد لدول أوروبية وغربية أخرى حليفة أيضاً لواشنطن: فلقد ظهرت هناك حالة تحدى حقيقى ملموس وعلنى للمقاطعة الدبلوماسية الأمريكية لأولمبياد بكين الشتوى، وهو ما أعلنه وزير العلوم والثقافة بوزارة التعليم والثقافة الفنلندية خلال مقابلة له مع هيئة الإذاعة الوطنية الفنلندية فى ١٧ يناير ٢٠٢٢، بتصريحه العلنى عن سفره إلى بكين لحضور دورة الألعاب الأولمبية الشتوية فى فبراير ٢٠٢٢، مع تأكيد دولة فنلندا رسمياً، رغم كونها ديمقراطية إسكندنافية، بأنها: “لن تشارك واشنطن رغبتها فى مقاطعة الأحداث الرياضية قط وتسييس الألعاب الرياضية من أجل أجندات سياسية ضيقة”.

١١) لقد بات الأمر الأكثر وضوحاً الآن، بأننا قد دخلنا فى “عصر ما بعد الديمقراطية”، وهى المرحلة التى باتت تسود فيها التيارات الشعبوية والإتجاهات غير الليبرالية، كما هو الحال فى أوروبا والغرب: وهنا نجد الإصرار الأمريكى على تقسيم العالم، بعد عقد مؤتمر “قمة القادة من أجل الديمقراطية” فى ٩ ديسمبر ٢٠٢١، بهدف إحداث إنقسام عالمى واضح بين دول تتبنى القيم الديمقراطية وأخرى إستبدادية شمولية غير ديمقراطية، مما أحدث شرخاً دولياً نتج عنه المزيد من إحداث الإنقسامات والمواجهات. وهو ما قد يدفع للتساؤل: هل لتلك الديمقراطية الأمريكية نمط واحد فقط ويقاس بالمعايير الأمريكية فقط؟ وما إذا كانت ممارسات الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط، مثل: الإحتلال العسكرى وإثارة الإضطرابات وغيرها، تعد من قبيل الممارسات الديمقراطية المقبولة أمريكياً وعالمياً؟

١٢) وهنا أتفق تماماً مع عبارة الرئيس الصينى الرفيق “شى جين بينغ” فى فهمه وتحليله العميق لمفهوم الديمقراطية، بتأكيده على أن: “أفضل الأحذية هى التى تناسب الأقدام، وأفضل طريقة الحكم هى التى تخدم رفاهية الشعوب والمجتمعات، فالديمقراطية ليست براءة إختراع خاصة لأى بلد، وإنما هى القيمة المشتركة التى طورتها كافة بلدان العالم بناءً على تقاليدها التاريخية وواقعها السياسى”: وتتمثل وجهة نظر الرفيق “شى جين بينغ” هنا، بأن الشعب هو الأحق للحكم على ما إذا كان الطريق التنموى فى بلاده مناسب أم لا؟ فمثلاً تصر الصين على التعامل مع كافة الدول والأنظمة، بل وتدعم الدول الأفريقية والنامية الفقيرة، ودول غرب آسيا وشمال أفريقيا وتشجيعهم جميعاً على (إتباع الطرق التنموية التى تناسب ظروفهم الوطنية، وتلتزم الصين بإحترام سيادة الدول عبر الدعوة إلى التشاورات على قدم المساواة وتعزيز التضامن والتعاون بين الجميع). كما أننا الآن وفقاً لقراءتى الدقيقة للواقع أيضاً قد تجاوزنا مرحلة العولمة بمراحل، فلم نعد الآن فى “عصر ما بعد العولمة”، ولكننا فى “عصر التأقلم مع نتائج العولمة”، والتي تتمثل فى ضرورة إعادة التأهيل والتعليم المستمر لمجاراة التكنولوجيا الحديثة والذكاء الإصطناعى، وهذه المرحلة تستلزم تغييرى جذرى فى “لغة ومفردات الخطاب السياسى ما بعد الشيوعى الصينى”، وذلك وفقاً لما أشرنا إليه.

وبعد تحليلى الجديد لما بعد الشيوعية وعصر ما بعد الديمقراطية، فأننى ربما أصل هنا لتأكيد جوهرى، مفاده، بأنه لا يحق على الولايات المتحدة أن تحكم ما إذا كانت دولة ديمقراطيةً أم لا. وهذا ما أكده المفكر الصينى العظيم “كونفوشيوس”، مؤكداً: “إذا كان المرء لا يستطيع تصحيح سلوكه، فكيف يمكنه تصحيح سلوك الآخرين؟”. فبرغم إدعاء الولايات المتحدة الأمريكية بأنها “منارة للديمقراطية”، لكنها إرتكبت كافة الإنتهاكات ضد أبسط مبادئ حقوق الإنسان والديمقراطيات، بتدخلها لتغيير أنظمة بالقوة فى الشرق الأوسط، كالحالتين العراقية والأفغانية. ثم إنسحابها الفوضوى من أفغانستان، وما نتج عنه من فوضى إقليمية ودولية ملموسة، فضلاً عن الأهم، وهو “الفشل الأمريكى ذاته فى فرض قيمها الديمقراطية والليبرالية بالقوة حول العالم”، وتعاملها مع أنظمة إستبدادية عديدة بل وحمايتها تحقيقاً لمصالحها. ومن هنا، فنحن فعلياً يجب علينا البحث نظرياً وأكاديمياً عن مداخل تحليلية وتفسيرية أخرى، لدخولنا فى إتجاهات نظرية جديدة فى عالم “الما بعديات”، وهو ما يستوجب إعادة النظر فى الديمقراطية الأمريكية ذاتها، وإعادة إنتاج عالم الأفكار الجديدة فى عصر “ما بعد الديمقراطية وما بعد الشيوعية المواجهة لها”.

– ثالثاً: التشويه الأمريكى والغربى المتعمد للتاريخ الصينى العالمى فى القضاء على الفاشية والعنصرية، ومدى علاقته وتشابكه بقضية “تسييس أولمبياد بكين الشتوى”

لم يتوقف تشويه الصين والإضرار بمصالحها فى مجال الرياضة فقط وتسييس الألعاب الرياضية العالمية كإستضافة الصين لأولمبياد بكين الشتوى ٢٠٢٢، بل إمتد هذا التشويه المتعمد للتاريخ من الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، بالتجاهل والإغفال المتعمد لدور الصين فى الحرب العالمية الثانية مع الدول الغربية والحلفاء للتخلص من الفاشية اليابانية: وذلك لمحاولة وصم الصين حالياً بنفس التهمة الفاشية اليابانية القديمة، وربما كان ذلك أكثر ما أستوقفنى تحليلياً، هو أنه رغم تحالف الصين الشيوعية مع الغرب الليبرالى وقتها للقضاء على الإستبداد والتخلص من الإحتلال اليابانى للصين نفسها فى الحرب العالمية الثانية، إلا أن ذاكرة التاريخ الأمريكى والغربى (تعمدت إغفال وإسقاط دور الصين تماماً فى الحرب العالمية الثانية مع الدول الغربية والحلفاء لمواجهة الفاشية والإستبدادية اليابانية). ويمكن فهم ذلك خلال النقاط التالية:

١) إن قضية “التسيسس المتعمد لأولمبياد بكين الشتوى”، قد باتت توضح لنا إشكالية أخرى، ألا وهى “تزييف الحقائق والتعمد المقصود لتشويه الدور الإيجابى للصين فى الحرب العالمية الثانية مع قوى الغرب الأجنبية لتحقيق الإستقرار والأمن العالمى”: وهنا باتت العقبة الكبرى أمام الصين هى سعيها لإستخدام التاريخ دفاعاً عن شرعيتها، بل والحرص السنوى الدائم من قيادات ومسئولى الحزب الشيوعى الحاكم فى الإحتفال السنوى بإنتصار الصين مع الحلفاء فى الحرب العالمية الثانية، رغم عدم إشارة الغرب تماماً للدور الصينى الإيجابى مع جبهة الحلفاء فى الإنتصار وفرض شروط الإنسحاب وخسارة تلك الحرب من قبل اليابان بفضل مساعدة الصين للحلفاء الغربيين، بل وتعمدت الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها وقوى الغرب تجاهل إبراز أى دور قوى للصين معهم فى مواجهة الفاشية والعنصرية اليابانية خلال فترة الحرب العالمية الثانية، وهنا تم إعلان تشكيل ما يعرف بأنه (التحالف المعلن من الديمقراطيات الغربية فى مواجهة الصين بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، والتجاهل المتعمد لدور الصين الشيوعية ذاته فى مواجهة السياسات والسلطات الفاشية والعنصرية اليابانية خلال فترة الحرب العالمية الثانية).

٢) أن محاربة الصين بدعاوى عنصرية وأيديولوجية أمريكية وغربية صريحة فى الوقت الحاضر ومنها “مقاطعة الألعاب الأولمبية الشتوية فى الصين لعام ٢٠٢٢”، يسقط من ذاكرة التاريخ المعاصر الدور الإيجابى والحقيقى للصين فى محاربة الإستبداد والفاشية والعنصرية، والمساهمة الصينية الحاسمة فى تحقيق الحلفاء النصر النهائى فى الحرب العالمية الثانية: فنفس تلك الإتهامات الأمريكية والغربية للصين، قد حاربتها الصين نفسها بجوار حلفاء الحرب العالمية الثانية، ومنهم: الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا نفسها والغرب، ولعب الدور الصينى الإيجابى دوراً بارزاً فى التخلص من الفاشية والعنصرية اليابانية، فقد (نتج عن الحرب العالمية الثانية سقوط ٣٥ مليون مواطن صينى ما بين مدنى وعسكرى صينى) للتخلص من سياسات العنصرية والفاشية اليابانية حينئذ.

٣) ونجد التجاهل الأمريكى والغربى المتعمد لدور الصين فى الحفاظ على أمن “آسيا-المحيط الهادئ”، وهو ما أهدرته الولايات المتحدة الأمريكية بتوقيعها لإتفاقية “أوكوس الدفاعية الجديدة” التى أبرمتها واشنطن فى منطقة “الإندو-باسيفيك” فى نهاية عام ٢٠٢١، مع أستراليا وبريطانيا لمواجهة الصين إقليمياً، رغم تقديم الصين لملايين الضحايا من أبنائها للحفاظ على أمن تلك المنطقة فى مواجهة اليابان ولصالح الولايات المتحدة الأمريكية والغرب أنفسهم: حيث تعتبر الصين أبرز من قدم التضحيات الجسام خلال الحرب العالمية الثانية لتحرير المنطقة الآسيوية من الإحتلال اليابانى، كما خاضت الصين مقاومة صلبة بمفردها فى ساحات المعارك الدائرة فى منطقة “آسيا-المحيط الهادئ” والتى تطلق عليها الولايات المتحدة الأمريكية منطقة “الإندو-باسيفيك”. وهنا نجد أن بداية الحرب الفعلية التى خاضتها الصين ضد الإحتلال اليابانى لها على مدار ١٤ عاماً، كانت هى البداية الحقيقية للحرب العالمية الثانية، وأطول حرب خاضها الحلفاء ونجحوا فيها فقط بسبب مساعدة الصين، فضلاً عن الدور البطولى المشهود للجنود والمدنيين الصينيين خلال فترة المقاومة، وتسببه فى تأخير وتيرة التوسع العسكرى اليابانى، وتحقيق الفوز وإنتصار الحلفاء فى الحرب العالمية الثانية، فكانت “الصين هى العمود الفقرى للإنتصار فى الحرب العالمية الثانية”.

٤) وبات الإحتفال السنوى للقيادات الصينية بذكرى الإنتصار مع الحلفاء فى الحرب العالمية الثانية ضد الإحتلال اليابانى وقتها فى شهر مارس من كل عام، بدون مشاركة أمريكية أو غربية بالأساس: فلقد تابعت كخبيرة متخصصة فى الشأن السياسى الصينى، بمغزى تحليلى وأكاديمى دقيق مضمون وفحوى تعمد الصين تنظيم (عرض عسكرى ضخم بمناسبة الذكرى السبعين لنهاية الحرب العالمية الثانية خلال شهر مارس ٢٠٢١)، وهو الحفل الذى تمت فيه دعوة جيوش عسكرية من دول صديقة، وألقى فيه الرئيس الصينى الرفيق “شى جين بينغ”، خطاباً تعمد فيه تهدئة مخاوف الذين يشعرون بالقلق من القوة الهائلة للصين، مؤكداً بشكل حرفى دقيق، بأنه:

“بغض النظر عن مدى قوتها، فإن الصين لن تسعى أبداً إلى الهيمنة أو التوسع، فالصين لعبت دوراً مهماً فى هزيمة الفاشية فى القرن العشرين، وتلعب الآن دوراً فى الحفاظ على النظام الدولى فى القرن الحادى والعشرين. وتدعو الصين جميع الدول إلى إحترام النظام الدولى الذى تدعمه مبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة، لصالح بناء شكل جديد من العلاقات الدولية يتميز بالتعاون المثمر لجميع الأطراف، ويعزز القضية النبيلة للسلام العالمى والتنمية”

٥) وتعد أبرز النقاط التى تجاهلتها الولايات المتحدة الأمريكية، هى كون أن العالم الذى يحتضن الديمقراطية والقيم الليبرالية وفق وصفها، يمكنه أن يحتضن الإستبدادية أيضاً: وهنا يتفق معظم المواطنين الأمريكيين بأن (إصلاح الديمقراطية الأمريكية فى الداخل، هى المهمة الأكثر إلحاحاً، مع تنامى تحذير الخبراء الأمريكيين من أن الديمقراطية الأمريكية بأكملها فى خطر كبير، خاصةً بعد قيود التصويت الجديدة ومزاعم الرئيس السابق “ترامب” بتزوير الإنتخابات الرئاسية لصالح منافسه “جو بايدن”).

٦) إن الدعوة الأمريكية إلى بناء إستراتيجية أمريكية كبرى حول العالم لمحاربة الإستبداد له نتائج عكسية، ويدعم الصين على الجبهة الأيديولوجية، ويدفع دولاً أخرى إلى التقارب مع قادة الحزب الشيوعى الحاكم فى الصين: حيث أن تلك الدعوة الأمريكية لتقسيم العالم على أسس أيديولوجية، وسعيها فى نشر تلك القيم الليبرالية في الخارج لتحقيق وجنى مكاسب سياسية من ورائها فى الأساس. قد يدعم الصين نفسها أيديولوجياً، فنجد هنا بأن (هذا التشديد أو الإصرار الأمريكى بالدعوة إلى مواجهة الإستبداد الصينى فى العالم، ربما يزيد من مخاوف العديد من الدول بسعى محتمل لواشنطن لتغيير أنظمتهم السياسية، وبالتالى إمكانية إتحاد وتحالف نصف دول العالم غير الديمقراطية أساساً، وفقاً لتصنيفها أمريكياً، ودفع تلك الدول غير الديمقراطية إلى اتخاذ خطوات أكثر تشويشاً فى الخارج ضد المصالح الأمريكية ذاتها بسبب تدخلها لتغيير أنظمتهم وتهديد مصالحهم الداخلية).

٧) وهنا نجد بأن “تأطير السياسة الدولية” وفقاً للرؤية الأمريكية والغربية لحلفاؤها على أنها منافسة بين أنظمة مختلفة أيديولوجياً، سيكون له بالتأكيد تأثير عكسى على بنية الإستقرار الدولى ذاته: لذلك، فوفقاً لتحليلى للمشهد الراهن، فإن التركيز الأمريكى على تلك الناحية الأيديولوجية فقط فى علاقاتها وتصنيفها للعالم، سيدفع تلك الأنظمة الإستبدادية حتماً كما صنفتهم الولايات المتحدة الأمريكية بذلك، وعلى رأسهم: (الصين وروسيا)، وفقاً لذلك التصنيف الأمريكى أيديولوجياً، إلى تعميق الصين وروسيا للتعاون بينهما وبين تلك الدول المصنفة مثلها أمريكياً أيضاً، بأنها دول غير ديمقراطية، لذلك (ستتعرض بنية الإستقرار الدولى للخطر الشديد، وحدوث إنقسامات بنيوية عالمية شديدة ذات طابع أيديولوجى)، وهذا هو تحديداً ما تدفع نحوه الولايات المتحدة الأمريكية والغرب تجاه الصين.

٨) إن تلك “الحرب الأيديولوجية المتعمدة ضد الصين تاريخياً” بتشوية كافة أدوارها الحقيقية فى حفظ النظام الدولى والقضاء على الفقر الحالى والفاشية والعنصرية اليابانية، وتعمد إسقاط دور الصين الكبير فى الحرب العالمية الثانية، يعود إلى “سياسة إزدواجية المعايير الأمريكية بالأساس تجاه الصين”: وهو ما أطلق عليها أكاديميا وتحليلياً وفقاً لرؤيتى الشاملة للمشهد “التعامل الإنتقائى مع التاريخ العالمى المعاصر لصالح أجندة أمريكية معادية، وعدم إحترام التاريخ الحقيقى للبشرية بإسقاط دور الصين فى واحدة من أهم وأبرز محطاته التاريخية الرئيسية فى الحرب العالمية الثانية”. ولكن تجاهلت السياسة الأمريكية عمداً دور الصين، رغم كتابة أبرز المؤرخين الأمريكان والعالميين بضرورة إبراز الدور الصينى العالمى، تحت عنوان “العالم مدين للصين”.

ومن هنا نستنتج، بأن تطبيق تلك المعايير السابقة لإسقاط دور الصين تاريخياً، وذلك على ذلك الصدام المتعمد الراهن مع الصين، والدعوة الأمريكية للعالم لمقاطعتها، ومقاطعة إستضافتها للأولمبياد الشتوى ٢٠٢٢، يظهر لنا بالدليل القاطع “إفتقاد العالم لمعايير “العدالة العالمية” خلال تناوله لأحداث غيرت مجرى التاريخ المعاصر تجاه الدور العالمى الإيجابى للصين ولحزبها الشيوعى الحاكم ولقياداتها تاريخياً”. وهنا سنصل لتحليل نهائى مفاده، أن “إستهداف الصين على الدوام باتت سياسة متعمدة وراسخة لدى الساسة الأمريكان والغرب لتشويه دورها وإنكار وتجاهل أدوراها التاريخية الحقيقية لصالح الإستقرار والأمن العالمى”.

– رابعاً: إعادة طرح النظرية الصينية الإمبراطورية القديمة (فخ “شى ما شيان” أو “نظرية مواجهة العدو الأجنبى”) للرد على التشويه الأمريكى والغربى المتعمد لإستضافة الصين الأولمبياد الشتوى، وعلاقتها بنظريات الغرب “فخ ثوسيديدس” و “فخ تاسيتوس” و “نهاية التاريخ” لفوكوياما، وتحليلى مضمون الخطابات السياسية للرئيس الرفيق “شى جين بينغ” فى مواجهتها

برزت العديد من النظريات السياسية والتفسيرات الدولية لتفسير شكل الصراع الدائر بين الولايات المتحدة وحلفاؤها فى مواجهة الصين، والذى أعطته الولايات المتحدة الأمريكية “شكل صراع ذو طابع أيديولوجى بالأساس”، وذلك إستناداً إلى “عقلية الحرب الباردة”، والتى سادت خلال فترة الإتحاد السوفيتى القديم قبل سقوطه عام ١٩٩١، وظهرت نظريات دولية جديدة، إستناداً إلى أحداث متشابهة غربية قديمة، مثل نظرية “فخ ثوسيديدس” ونظرية “فخ تاسيتوس”. إلا أنه وفقاً لوجهة نظرى التحليلية والأكاديمية كخبيرة متخصصة بالأساس فى الشأن السياسى الصينى، فلقد وجدت تفسيرات نظرية متشابهة فى التاريخ الإمبراطورى الصينى القديم، مثل: (نظرية فخ “شى ما شيان” خلال الحقبة الإمبراطورية القديمة لأسرة “شيونغنو” خلال مواجهتها لحكم “أسرة هان” الإمبراطورية القديمة).

لذا، فقد عمدت الباحثة المصرية هنا، إلى (تحليل مضمون عبارات من خطابات سياسية جماهيرية للرئيس الصينى الرفيق “شى جين بينغ”، كى يمكننا ذلك من تطبيق تلك النظريات الصينية لرفاق الحزب الشيوعى الصينى فى مواجهة نظريات الهيمنة والإنفراد بالرأى والأحادية الأمريكية)، وذلك بالإستناد إلى آلية وسياسة المقاطعة الدبلوماسية الأمريكية الحالية لأولمبياد بكين الشتوى، ولكافة ملامح المنحى الصدامى الأمريكى فى مواجهة الصين، وذلك على النحو الآتى:

١) إن النظرية الصينية القديمة للمؤرخ “شى ما شيان”، كانت مرتبطة بالأساس لفهم التفسير الصينى القديم لما يعرف (نظريات صعود وهبوط الأمم القديمة): فهذه النظرية القديمة، قد تمكن الصين المعاصرة من بناء علاقة تفسيرية معاصرة مع نظرية “نهاية التاريخ” للمحلل الأمريكى اليابانى “فرانسيس فوكوياما”، والتى تقوم على (إنتصار القيم الأمريكية الليبرالية الغربية فى مواجهة الصين والعالم الإسلامى)، لذا، فبناءً على فهمنا لتلك النظريات والفلسفات الصينية بالأساس، سنتمكن من فهم منحى وطريقة تفكير وتدبر العقلية الصينية ورؤيتها للعالم وللأحداث، بل ولكيفية الرد الصينى على كافة الإستفزازت الأمريكية فى مواجهتها.

٢) إن إمكانية إعادة طرح الصين مرة أخرى للنظرية الإمبراطورية القديمة، المعروفة ب (فخ “شى ما شيان” أو “نظرية بناء عدو أجنبى”، والترويج لهذا العدو بين أبناء الشعب الصينى)، ستهدف لزيادة تنامى عنصر القومية بداخله، لتحفيزه من أجل الإلتفاف حول الوطن وزيادة قوته: فتلك النظرية القديمة للصين لبناء عدو خارجى بشكل دائم، والتى طرحها المؤرخ الصينى القديم “شى ما شيان”، المغزى منها بناء عدو بشكل دائم، بحيث يلتف حوله الجميع ويوحد مواطنى الدولة للقضاء عليه. فتلك النظرية الصينية سادت خلال عهد “إمبراطورية شيونغنو الصينية القديمة”.

٣) كما أن تلك النظرية الصينية (نظرية فخ “شى ما شيان”) – وفقاً لرؤيتى التحليلية والتفسيرية كخبيرة مختصة فى الشأن السياسى الصينى – تكاد تناظر النظرية الدولية المعروفة حالياً، بإسم “فخ ثوسيديس اليونانية”: وهى تلك النظرية الغربية اليونانية التى أعيد إنتاجها مرة أخرى وإظهارها، رغم إنتماءها لدولة اليونان وأسبرطة القديمة، كمحاولة لتفسير شكل وحدة الصراع الحالى بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية.

٤) ووفقاً لتحليلى الأكاديمى، فإن الصراع الإمبراطورى القديم فى الصين بين إمبراطوريتى “شيونغنو” و “هان” ثماثل شكل الصراع الدولى الدائر والحالى بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية: فهذا الصراع الإمبراطورى القديم فى الصين، والذى قدمه المؤرخ الصينى القديم “شى ما شيان”، والذى يعد بمثابة أول مؤرخ حقيقى للصين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى