مقال

الأم نبع الحنان ” جزء 1″

الأم نبع الحنان ” جزء 1″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

إنها البطلة الصامدة، المخلصة المجاهدة، نبع الحنان والشفقة، ووعاء الرحمة والرأفة، أوفى صديق، وأنصح رفيق، من قامت لك بدور الممرض والطبيب، والمربى والمعلم، فهي جندية حيث لا جند ولا قتال، وحارسة ساهرة حيث لا ثغور، مخلصة في عملها ولا يخلص في البشر مثلها أحد، تجهد بدنها وقلبها ليلا ونهارا، وليس لها راتب يصرف آخر الشهر، فإنها هي التي اهتم الشرع الحنيف بها، وحثنا على حسن معاملتها والإخلاص في برها، إنها الأم، فإن كلمة أمي، هي أول كلمة نطقناها، وأحلى كلمة رددناها، فإن فضلها عظيم ومكانتها كبيرة، وفضلها لا يعرفه إلا الله عز وجل، فكم من الرجال في هذه الأيام يقدمون الزوجة على الأم، ويأتي إلى البيت بالهدية، وتنظر الأم وترى بعينيها، ولكن لمن هذه الهدية؟ إنها للزوجة، فيدخل الغرفة ويغلق الباب.

 

فيعطيها لزوجته، ولكن أين حق الأم؟ فقد نسي الأم، فما تذكرها، فيشتري لزوجته الملابس، ويسكنها أفخم الأثاث، ويلبسها أغلى الذهب والمجوهرات، ولكن أين أمه؟ لقد نسيتها، منذ متى عرفت زوجتك ؟ فكم مرة أحسنت إليك الزوجة؟ فتقول السيدة عائشة رضي الله عنها جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها فأطعمتها السيدة عائشة رضي الله عنها ثلاث تمرات، فأعطت الأم كل واحدة منهما تمرة ورفعت التمرة الثالثة إلى فيها لتأكلها فاستطعمتها ابنتاها فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فتقول السيدة عائشة رضي الله عنها فأعجبني شأنها فذكرت الذي صنعت الأم لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال “إن الله قد أوجب لها الجنة، أو أعتقها من النار” وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال ارتقى رسول الله صلي الله عليه وسلم على المنبر ذات يوم.

 

درجة فقال آمين، ثم ارتقى الدرجة الثانية فقال آمين، ثم ارتقى الدرجة الثالثة فقال آمين، ثم استوى فجلس صلي الله عليه وسلم فقال أصحابه علي ما أمنت يا رسول الله؟ فقال صلي الله عليه وسلم أتاني جبريل فقال يا محمد “رغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصلي عليك، فقلت آمين، ثم قال ورغم أنف امرئ أدرك أبويه ولم يدخل الجنة فقلت آمين، وقال ورغم أنف امرئ أدرك رمضان فلم يُغفر له، قلت آمين” فإن أمك قبل أن توجد على وجه الأرض كانت تحسن إليك، وكانت ترأف بك وكانت ترحمك وتشقى لأجلك قبل أن تنزل على وجه الأرض، أنسيتها ؟ حينما تزوجت ولم تذكر حقها؟ وكم من الرجال من يأخذ زوجته في سفر، وفي رحلة، وفي نزهة، ولا يكلف نفسه أن يقول لأمه أتريدين الذهاب معنا؟ هلا سافرت معنا، فتجده لا يريدها.

 

ويقال إن الأم ليست فقط من تنجب الأطفال، بل هي أيضا من تربيهم، وهذا الكلام صحيح لا شك فالأم في الأصل هي الأنثى التي تلد الأبناء ثم ترضعهم وتربيهم، وتبقى تحبهم وتحنو عليهم ما دامت الروح تسرى في عروقها، وأيضا يمكن أن تعد من الأمهات المرأة التي تربى أبناء ليسوا من صلبها، ولذلك فقد كان لها مكانة عالية فى الإسلام وخصها رب العالمين سبحانه وتعالى بثناء كبير في القرآن الكريم إذ قال ” ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن” وقوله تعالى ” ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها” فإن الأم هى كائن رقيق المشاعر حنون حساس يرى في أبنائه الجانب الطهر ويغض الطرف عما سوى ذلك، يدافع عن ابنه ويحميه إن أصاب وإن أخطأ، فهي العطوف الوديعة الرؤوم مع أبنائها.

 

والتي تصير وحشا كاسرا إن مس أولادها سوء، أو داهمهم خطر ما، وهى الصدر الذي يتسع لكل أبنائها، وهى التي لا يفيها الابن حقها ولو اجتهد، هي مفتاح العبور إلى الجنة، إذ الطريق يمر من تحت قدميها، وهى التى تعطي أبناءها إحساسهم بقيمتهم في الحياة، فلولا وجودها لما وُجدوا أساسا، وهى التى تمحو الهموم عن أبنائها إذا ما أطبقت الشدائد عليهم، فكلمة منها كفيلة بإزالة جبل من الهموم ولو كان مطبقا وجاثما على صدر ولدها، وكل مصيبة دونها تهون، تقرأ أفكار ابنها وتفهمه من نظرة، كيف لا وهي الوطن الذي ضمه قبل الولادة تسعة أشهر، ثم ضمته في قلبها إلى يوم القيامة، وقد أسهب الشعراء والأدباء وأرباب القلم في وصفها ووصف إنسانيتها وما تشتمل عليه من صادق المشاعر وعذب الأحاسيس، وإن الأم هي أنثى قد ولدت طفلا أو أكثر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى