مقال

أحوال في شهر رجب ” جزء 9″

أحوال في شهر رجب ” جزء 9″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء التاسع مع أحوال في شهر رجب، وقد طلب الله من عباده تعمير الأرض وبنائها، ويقول تعالي في سورة هود “هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها” ولا يتحقق بناء الأرض وتعميرها إلا بالعمل فيها على مصلحتها ومصلحة ساكنيها، ولا يكون ذلك إلا بإتقان الأعمال والوظائف والمهن، وقد دعا الإسلام إلى حُسن استغلال الأرض والعمل على الاستفادة الصحيحة من مواردها، وإن رفعة الأمم وسبيل تقدمها مرتبط بحجم عطاء أبنائها عملا وإنتاجا وإتقانا وإحسانا، ولا أدلّ على ذلك من قصة ذي القرنين عليه السلام في سورة الكهف حين عمل على تحريك همم السلبيين نحو العمل والإتقان والاجتهاد الذي يحفظ الكرامة ويصون الإنسان وقدّر الله تعالى أن تكون حركاتهم سببا في تأخير أذى يأجوج ومأجوج عنهم بسبب بناء السد، فالعمل لازمة من لوازم النجاح.

والرقي والتميّز، وهو عبادة الزمان والمكان، وسبب شرف وعزة الإنسان، بل وبسببه تغفر الذنوب فإن كما ورد في بعض الآثار وإن كان فيه ضعف “إن من الذنوب ذنوبا لا يكفرها الصلاة ولا الصيام ولا الحج ولا العمرة، قالوا فما يكفرها يا رسول الله؟ قال الهموم في طلب المعيشة” رواه الطبراني، لكن الإسلام لم يأمر بالعمل فحسب وإنما طلب إتقان لعمل وجعله فريضة وضرورة، وإن أمة الإسلام هي الأمة الرائدة في الحضارة والتقدم، لكن للأسف الشديد تركت الأمة مكانتها لغيرها، وصار أبناؤها يتسولون على موائد الغرب في العلوم والصناعات والمعارف ولا عجب، وإن الأمة الإسلامية مدعوة لإتقان العمل لأنه أمر الله تعالى، إضافة إلى أن الإتقان هو سبيل التحضر والتقدم، لذا فقد أولت الشريعة الإسلامية اهتماما بالغا بالإتقان حتى جعلته دينا.

وعبادة لله تعالى مفروضة على الإنسان، كما اعتبرته علامة على محبة الله لعبده، وإن الإتقان هو الإتيان بالشيء على أكمل حالاته، وهو مأخوذ من قولهم تقن أرضه إذا ساق إليها الماء الخاثر بالطين لتصلح للزراعة، وهو الإتيان بالأعمال على الوجه المطلوب، وعلى الوجه الذي يكسب به الإنسان ثقة الآخرين في شراء سلعته وصناعته، ويعني أيضا أنه هو إحكام الأمور، والإتقان عند أهل العلم أن تؤدي العمل على أكمل وجه، الإتقان في التعليم، الإتقان في التجارة، والوظيفة، والمنصب، والمتجر، والمزرعة، وأما عن أهميته فيكفي أن نقول إن الإتقان للأعمال هو وسيلة حقيقية وفعالة لرقي الأمم ورفعة شأنها ماديا ومعنويا، كما أن الإتقان هو سبيل مرضاة الله تعالى على عبده، إضافة إلى كونه هو المخرج الآن للأمة من التبعية للغرب أو الشرق، والقضاء على مشكلات كثيرة.

كالبطالة وأطفال الشوارع وغير ذلك، وإن الإتقان فريضة شرعية وضرورة بشرية حيث أن للإتقان أهمية كبرى في تاريخ وحياة المسلمين، فقد عظمت الشريعة من أمر هذه القيمة ودعت الأمة إلى جودة أعمالها، وحُسن مهامها، فأوردت الشريعة لنا ما يفرض الإتقان ويجعله في أفضل العبادات وأعظمها أثرا في الدنيا والآخرة، ومن بين ما يؤكد فرضية الإتقان أن الله عز وجل قد خلق خلقه بإتقان وحُسن خِلقة، فقال تعالى كما جاء في سورة النمل ” وتري الجبال تحسبها جامده وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون” فكل شيء في هذا الوجود يسير على وجه من الإتقان لأنه صدر عن الله تعالى، وفي تلك الآية إشارة إلى عبيد الله بأن يتخلقوا بخلق الله في خلقه وصفته في الخلق والصناعة، وإن محبة الله تعالى لعبده مرتبطة بجودة عمله وحُسن أدائه وإتقانه.

فقيل “إن الله يحب العامل إذا أحسن” ويقول صلي الله عليه وسلم ” إن الله يحب غذا عمل أحدكم عملا ان يتقنه” وإن أمم الأرض قد وعت الدرس، فبعد فشل كثير من الأمم وتأخرها، أيقنت أن المكان والمكانة، والقيمة والقامة للعاملين المجدين المتقنين، وصارت الصناعة المتقنة هي صاحبة البيع والشراء، والسحب والإقبال، وأن غياب هذه القيمة عن حياة أبناء الأمة يجر ويلات كثيرة، تعود بالأثر السلبي والسيئ على الأفراد والمجتمعات، بل قل على الإسلام نفسه، وهو بريء بالتأكيد من تقصير المسلمين، ومن بين آثار غياب الإتقان عن حياة المسلمين هو الإساءة إلى الدين وتشويه صورته، وتسويق صورة سيئة عن المسلمين وبلاد المسلمين وإنتاج المسلمين، فتصير الصناعة الخاصة بنا رديئة، ومن ثم يساء إلى الدين الذي ننتمي إليه، ولا شك أن مسؤولون عن جزء كبير من هذا التسويق السيئ للإسلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى