مقال

أصل البر في الإسلام ” جزء 3″

أصل البر في الإسلام ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثالث مع أصل البر في الإسلام، وقد كان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وصحابته وسلف هذه الأمة قمة في الخوف من الله سبحانه وتعالى، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا رأى الريح تغير وجهه، وقام وأقبل وأدبر ويقول “ما يؤمنني أن قوما رأوا الريح فقالوا “هذا عارض ممطرنا” أي دائما كان فيه عذابهم، فإذا نزل المطر ذهب ذلك عنه صلى الله عليه وسلم، وكان صلى الله عليه وسلم، يصلي وحده فيبكي، والناس في العادة إنما يبكون في اجتماعهم معًا في الصلاة، ولكن الخائفين من الله عز وجل، حقا كرسول الله صلى الله عليه وسلم، يقع منهم البكاء في صلاتهم منفردين عن الناس، كما يقول عبد الله بن الشخير، أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

وهو يصلي “ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء” أي كصوت القدر يغلي بالماء، وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه، من خوفه من الحساب والجزاء يقول ليتني كنت شاة ذبحها أهلها، فأكلوا لحمها، وحسوا مرقها” وكان بعض السلف يبكي بكاء شديدا عند قوله تعالى فى سورة الزمر ” وبدالهم ما لم يكونوا يحتسبون ” ويقول أحدهم هم قوم عملوا أعمالا ظنوها صالحة فوجدوها وبالا عليهم يوم القيامة، وكان بعضهم ينظر مرارا في المرآة مخافة أن يكون وجهه قد اسود من المعاصي، وكان بعضهم يقوم بالليل يتفقد جلده وينظر فيه خشية أن يكون قد مسخ قردا أو خنزيرا، فهكذا كان صدق خوفهم من عقوبات الذنوب والمعاصي، والتحقق بالصدق في هذه الأمور عزيز جدا، فلا غاية لهذه المقامات حتى ينال تمامها.

 

ولكن لكل حظ حسب حاله، إما ضعيف وإما قوي، فإذا قوي سمي صادقا، وإذا علم الله من عبد صدقا قَرّبه وأنعم عليه وأعانه وأكرمه بمعيته، والصادق في جميع مقامات الدين وعباداته عزيز، ولكن قد يكون للعبد صدق في بعضها دون بعض، وهناك أيضا الصدق في النية والإرادة، ويسمى الإخلاص، ومقابله الكذب أو الرياء فيقول الله عز وجل فى كتابه الكريم فى سورة محمد ” فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم ” أي فإذا جدّ الحال وحضر القتال، فلو أخلصوا النية لله لكان خيرا لهم، وفي حديث “أول ثلاثة تسعر بهم النار” أن الله يقول لكل منهم “كذبت، وإنما قرأت أو تصدقت أو قاتلت ليقال كذا وكذا” أي وليس صدقا في طلب الثواب من الله عز وجل، وإن من علامات صدق النية والرغبة في الأجر.

 

هو كتمان المصائب والطاعات جميعا، وكراهة اطلاع الخلق على ذلك، وهناك الصدق في العزم والوفاء، كأن يقول إن أتاني الله مالا تصدقت بجميعه، فقد يقول ذلك مع عدم صدق العزيمة، بل مع التردد أو خلو القلب من الصدق والإصرار على ما يتلفظ به، وقد يقول ذلك مع عزيمة ثم يترك الصدق في الوفاء عند تمكنه من ذلك ومن هنا يقول الله تعالى فى سورة التوبة ” ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين، فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون، فأعقبهم نفاقا فى قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون ” فأين هؤلاء ممن قال الله عز وجل فيهم “من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما”

 

وهناك أيضا الصدق في العمل، والبذل بالإتقان، واستفراغ الجهد، ومن هذا القبيل قول سعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم، إنا لصبر في الحرب، صدق عند اللقاء، أي صادقون في الحرب والقتال، نثبت ونستفرغ الجهد، وقال صلى الله عليه وسلم “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه” وإن الصدق يكون في الأقوال وهو استواء اللسان على الأقوال كاستواء السنبلة على ساقها، فحق على كل عبد أن يحفظ ألفاظه ولا يتكلم إلا بالصدق، وصدق اللسان أشهر أنواع الصدق وأظهرها، وأن يتحرز من الكذب ومن المعاريض التي تجانس الكذب، وينبغي أن يراعي معنى الصدق في ألفاظه التي يناجي بها ربه كقوله تعالى ” وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض” فإن كان قلب العبد منصرفا عن الله منشغلا عن الدنيا وهو يقول وجّهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض في الصلاة في الاستفتاح فهو كاذب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى