مقال

يحيى بن خالد البرمكي “جزء 3”

يحيى بن خالد البرمكي “جزء 3”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثالث مع يحيى بن خالد البرمكي، ومن أمثلة توقيعاته، توقيعه على رقعة لمحبوس متظلم من حبسه “العدوان أوبقة والتوبة تطلقة” وقد كانت معظم كتابات البرامكة مبنية على السجع الذي كان يؤثره جعفر في كتاباته المختلفة مبالغة منه في التأنق والتنميق، وكان خالد البرمكي أول من نظم دواوين الدولة العباسية في خلافة أبو العباس السفاح، وقد اتخذ البرامكة كتابا بلغاء عملوا في دواوينهم، ومن أبرزهم إسماعيل بن صبيح، ويوسف بن صبيح، والليث بن نصر بن سيار، وأنس بن أبي شيخ، والفضل بن سهل وأخيه الحسن بن سهل، وسهل بن هارون، وعمرو بن مسعدة، وقيل أن جابر بن حيان كان في جملة البرامكة ومنقطعا إليها، ومتحققا بجعفر بن يحيى، وبعد وفاة خالد بن برمك ظهر ابنه يحيى الذي كان سديدا صائب الآراء حسن التدبير.

 

ضابطا لما تحت يده، قويا على الأمور، وقد قربه الخليفة المهدي إليه، وأصبحت العلاقة وثيقة بينهما بدليل أنه حين ولد الفضل بن يحيى في سنة مائة وسبعة وأربعين من الهجره، قبل ولادة الخيزران للرشيد بسبعة أيام، أرضعت الخيزران الفضل من لبان ابنها، فكان الفضل بن يحيى أخا للرشيد من الرضاع، وفي السنة الثالثة من خلافة المهدي أي في سنة مائة وواحد وستين من الهجرة، عهد إلى يحيى البرمكي تربية ابنه هارون وتأديبه، وفي السنة مائة وثلاثة وستين من الهجرة، ولى ابنه هارون المغرب كله وأذربيجان وأرمينية، وجعل يحيى على ديوان رسائله، وبعد وفاة المهدي تولى الخلافة ابنه الهادي، فأبقى يحيى على وظائفه السابقة، وخلال مدة قصيرة في حوالي السنة، حاول الهادي نقل ولاية الرشيد إلى ابنه جعفر لتبقى الخلافة في نسله.

 

وتبعه في ذلك عدد من قواد الدولة العباسية منهم يزيد بن مزيد وعبد الملك بن مالك وعلي بن عيسى، فخلعوا هارون وبايعوا جعفر بن موسى، ولكن يحيى لم يرضي بهذه المبايعة، وبقي على إخلاصه للرشيد وثبت في المحافظة على حقه في ولاية العهد، ولم يكتفي بذلك، بل حرض الرشيد على عدم التنازل عن حقه، فأخبر بعضهم الهادي بأنه ليس عليك من هارون خلاف وإن من يفسده يحيى بن خالد، فقالوا ابعث إلى يحيى وهدده بالقتل وارمه بالكفر، فأغضب ذلك موسى الهادي على يحيى بن خالد، وقد ذكر أبو حفص الكرماني أن محمد بن يحيى بن خالد حدثه قال بعث الهادي إلى يحيى ليلا، فأيس من نفسه وودع أهله، وتحنط وجدد ثيابه، ولم يشك أنه يقتله، فلما أدخل عليه قال يا يحيى ما لي ولك، قال أنا عبدك يا أمير المؤمنين.

 

فما يكون من العبد إلى مولاه إلا طاعته، قال فلم تدخل بيني وبين أخي وتفسده علي، فقال يا أمير المؤمنين من أنا حتى أدخل بينكما، إنما صيرني المهدي معه، وأمرني بالقيام بأمره، فقمت بما أمرني به ثم أمرتني بذلك، فانتهيت إلى أمرك، قال فما الذي صنع هارون، قال ما صنع شيئا، ولا ذلك فيه ولا عنده، قال فسكن غضبه، وقد كان هارون طاب نفسا بالخلع، فقال له يحيى لا تفعل، فقال أليس يترك لي الهنيء والمريء فهما يسعانني وأعيش مع ابنة عمي، وكان هارون يجد بأم جعفر وجدا شديدا، فقال له يحيى وأين هذا من الخلافة ولعلك ألا يترك هذا في يدك حتى يخرج أجمع، ومنعه من الإجابة، وكان الهادي قد حدث يحيى في خلع هارون وإحلاله ابنه جعفر، وقد حادث يحيى للهادي في خلع الرشيد لما كلمه فيه يا أمير المؤمنين.

 

إنك إن حملت الناس على نكث الأيمان هانت عليهم أيمانهم، وإن تركتهم على بيعة أخيك بايعت لجعفر من بعده، كان ذلك أوكد لبيعته، فقال صدقت ونصحت، غير أن الهادي لم يقبل بهذه النصيحة ورجع إلى فكرة تنحية أخيه عن ولاية العهد والمبايعة لابنه جعفر، فأحضر يحيى البرمكي وحبسه وعزم على قتله، ويقول اليعقوبي أن موسى الهادي أخذ يحيى بن برمك وأشرف عليه بالقتل عدة مرات، وحكي أن موسى الهادي كان قد طالب أخاه هارون أن يخلع نفسه من العهد، ليصيره لابنه من بعده، ويخرج هارون من الأمر فلم يجب إلى ذلك، وأحضر يحيى بن خالد البرمكي، ولطف به وداراه ووعده ومناه وسأله أن يشير على هارون بالخلع، فلم يجب يحيى إلى ذلك ودافعه مدة، فتهدده وتوعده، وجرت بينهما في ذلك خطوب طويلة، وأشفى يحيى معه على الهلاك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى