مقال

أبو عبد الله سلمان الخير الفارسي ” جزء 2″ 

أبو عبد الله سلمان الخير الفارسي ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثاني مع أبو عبد الله سلمان الخير الفارسي، وبصرت بنخل كثير، فطمعت أن تكون هذه البلدة التي وصفت لي، والتي ستكون مهاجر النبي المنتظر، ولكنها لم تكن هي وأقمت عند الرجل الذي اشتراني، حتى قدم عليه يوما رجل من يهود بني قريظة، فابتاعني منه، ثم خرج بي حتى قدمت المدينة، فوالله ما هو الا ان رأيتها حتى أيقنت أنها البلد التي وصفت لي، وأقمت معه أعمل له في نخله في بني قريظة حتى بعث الله رسوله وحتى قدم المدينة ونزل بقباء في بني عمرو بن عوف، واني لفي رأس نخلة يوما، وصاحبي جالس تحتها اذ أقبل رجل من يهود، من بني عمه، فقال يخاطبه قاتل الله بني قيلة انهم ليتقاصفون على رجل بقباء، قادم من مكة يزعم أنه نبي، فوالله ما أن قالها حتى أخذتني العرواء، فرجفت النخلة حتى كدت أسقط فوق صاحبي.

 

ثم نزلت سريعا، أقول ماذا تقول ؟ ما الخبر ؟ فرفع سيدي يده ولكزني لكزة شديدة، ثم قال مالك ولهذا؟ أقبل على عملك، فأقبلت على عملي، ولما أمسيت جمعت ما كان عندي ثم خرجت حتى جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء، فدخلت عليه ومعه نفر من أصحابه، فقلت له انكم أهل حاجة وغربة، وقد كان عندي طعام نذرته للصدقة، فلما ذكر لي مكانكم رأيتم أحق الناس به فجئتكم به ثم وضعته، فقال الرسول صلي الله عليه وسلم لأصحابه كلوا باسم الله، وأمسك هو فلم يبسط اليه يدا، فقلت في نفسي هذه والله واحدة، انه لا يأكل الصدقة، ثم رجعت وعدت الى رسول الله صلي الله عليه وسلم في الغداة، أحمل طعاما، وقلت له صلي الله عليه وسلم اني رأيتك لا تأكل الصدقة وقد كان عندي شيء أحب أن أكرمك به هدية، ووضعته بين يديه، فقال لأصحابه كلوا باسم الله.

 

وأكل معهم، قلت لنفسي هذه والله الثانية انه يأكل الهدية، ثم رجعت فمكثت ما شاء الله، ثم أتيته، فوجدته في البقيع قد تبع جنازة، وحوله أصحابه وعليه شملتان مؤتزرا بواحدة، مرتديا الأخرى، فسلمت عليه، ثم عدلت لأنظر أعلى ظهره، فعرف أني أريد ذلك، فألقى بردته عن كاهله، فاذا العلامة بين كتفيه خاتم النبوة، كما وصفه لي صاحبي فأكببت عليه أقبله وأبكي ثم دعاني صلي الله عليه وسلم، فجلست بين يديه، وحدثته حديثي كما أحدثكم الآن، ثم أسلمت، وحال الرق بيني وبين شهود بدر وأحد، وفي ذات يوم قال النبي صلي الله عليه وسلم ” كاتب سيدك حتى يعتقك ” فكاتبته، وأمر الرسول صلي الله عليه وسلم أصحابه كي يعونوني، وحرر الله رقبتي، وعشت حرا مسلما، وشهدت مع رسول الله صلي الله عليه وسلم غزوة الخندق، والمشاهد كلها.

 

ولقد تنبأ الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بهذا المد المبارك لدينه، بل وعد به وعد صدق من ربه الكبير العليم، ولقد زوي له الزمان والمكان ذات يوم ورأى رأي العين راية الاسلام تخفق فوق مدائن الأرض، وقصور أربابها، وكان سلمان الفارسي شاهدا، وكان له بما حدث علاقة وثقى، وكان ذلك يوم الخندق، في السنة الخامسة للهجرة، اذ خرج نفر من زعماء اليهود قاصدين مكة، مؤلبين المشركين ومحزّبين الأحزاب على رسول الله صلي الله عليه وسلم والمسلمين، متعاهدين معهم على أن يعاونوهم في حرب حاسمة تستأصل شأفة هذا الدين الجديد، ووضعت خطة الحرب الغادرة، على أن يهجم جيش قريش وغطفان ” المدينة ” من خارجها، بينما يهاجم بنو قريظة من الداخل، ومن وراء صفوف المسلمين.

 

الذين سيقعون آنئذ بين شقى رحى تطحنهم وتجعلهم ذكرى، وفوجىء الرسول صلي الله عليه وسلم والمسلمون يوما بجيش لجب يقترب من المدينة في عدة متفوقة وعتاد مدمدم، وسقط في أيدي المسلمين، وكاد صوابهم يطير من هول المباغتة وقد صوّر القرآن الكريم هذا الموقف، فقال الله تعالى “اذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم واذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا” فكانوا أربعة وعشرون ألف مقاتل تحت قيادة أبي سفيان وعيينة بن حصن يقتربون من المدينة ليطوقوها وليبطشوا بطشتهم الحاسمة كي ينتهوا من محمد ودينه، وأصحابه، وهذا الجيش لا يمثل قريشا وحدها، بل ومعها كل القبائل والمصالح التي رأت في الاسلام خطرا عليها، وإنها محاولة أخيرة وحاسمة يقوم بها جميع أعداء الرسول أفرادا، وجماعات، وقبائل، ومصالح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى