مقال

أصل الحياة الطيبة ” جزء 1″

أصل الحياة الطيبة ” جزء 1″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

الحمد لله رب العالمين القائم على كل نفس بما كسبت، الرقيب على كل جارحة بما اجترحت، المطلع على ضمائر القلوب إذ هجست، الحسيب على خواطر عباده إذا اختلجت، الذي لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السماوات والأرض تحركت أو سكنت، المحاسب على النقير والقطمير والقليل والكثير من الأعمال وإن خفيت، المتفضل بقبول طاعات العباد وإن صغرت، المتطوّل بالعفو عن معاصيهم وإن كثرت، وإنما يحاسبهم لتعلم كل نفس ما أحضرت، وتنظر فيما قدمت وأخرت، وتعلم أنه لولا لزومها للإخلاص والصدق والمحاسبة في الدنيا شقيت في صعيد القيامة وهلكت، وبعد الإخلاص والصدق والمحاسبة لولا فضله بقبول بضاعتها المزجاة لخابت وخسرت، فسبحان من عمت نعمته كافة البلاد وشملت، واستغرقت رحمته الخلائق في الدنيا والآخرة وغمرت.

 

فبنفحات فضله اتسعت القلوب للإيمان وانشرحت، وبيُمن توفيقه تقيدت الجوارح بالعبادات وتأدبت، وبنصرته انقطعت مكائد الشيطان واندفعت، وبلطف عنايته تترجح كفة الحسنات إذا ثقلت، وبتسييره تيسرت من الطاعات ما تيسرت، فمنه العطاء والجزاء، والإبعاد والإدناء، والإسعاد والإشقاء، والصلاة والسلام على نبينا وحبيبنا ومصطفانا سيد الأنبياء وعلى آله سادة الأصفياء، وعلى أصحابه قادة الأتقياء محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم، فإن الصدق نجاة، وإنه من كان صادقا كان الله معه، وأنه من سأل الله تعالي الشهادة بصدق بلغه الله عز وجل منازل الشهداء وإن مات على فراشه، وأن الصادق جزاءه جنات تجري من تحتها الأنهار، وإن منزلة الصدق والصادقين، هي المنزلة التي فرقت بين المؤمنين وبين المنافقين.

 

وفرقت بين أهل النيران وبين أهل الجنان، وهذا الصحابي الجليل سعد بن معاذ رضى الله عنه يروى أنه قال كان صديقا لأمية بن خلف، فنزل ليطوف بالكعبة في ساعة خلوه فلقيهما أبو جهل فقال يا أمية من هذا، الذي معك فقال هذا سعد بن معاذ فقال له أبو جهل يا سعد أراك تطوف بمكة آمنا وقد أويتم الصباة، أما والله لولا أنك مع أبا صفوان لقتلتك، وما رجعت إلى أهلك سالما، فقال له سعد بن معاذ، ورفع صوته عليه أما والله يا أبا جهل، لئن منعتني هذا لأمنعنك من المرور في طريقك الى المدينة، فقال له أمية لا ترفع صوتك يا سعد على أبا الحكم فهو سيد أهل الوادي فغضب سعد بن معاذ ؤضي الله عنه، فقال سعد بن معاذ يا أمية والله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنهم قاتلوك فتغير وجهه وتغير لونه وقال يقتلوني بمكة ؟

 

قال لا أدري قال يقتلوني أنا ؟ قال نعم قال فوالله ما يكذب محمد إذا حدث، فلما رجع أمية إلى أهله قال يا أم صفوان ألم تري ما قال لي سعد قالت وما قال لك قال زعم أن محمدا أخبرهم أنهم قاتلي فقالت يا أمية والله ما يكذب محمد إذا حدث، فقال أمية والله لا أخرج من مكة أبدا فلما كان يوم بدر جاءة أبو جهل فقال يا أبا صفوان لو رأى الناس أنك قد تخلفت وأنت سيد أهل الوادي تخلفوا معك فلم يزل به أبو جهل حتى قال أما إذ غلبتني فوالله لأشترين أجود بعير بمكة ثم قال أمية يا أم صفوان جهزيني فقالت له يا أبا صفوان وقد نسيت ما قال لك سعد بن معاذ قال لن أخرج معهم إلا قريبا فلما خرج أمية فلم يزل بذلك الوعيد من رسول الله صلي الله عليه وسلم حتى قتله الله عز وجل ببدر، فصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال الأحنف بن قيس “ما كذبت من يوم أسلمت إلا مرة واحدة”

 

وكان السلف يدققون فيه جدا، وبقد لقي الإمام أحمد رحمه الله، بعض أصحابه فقال كيف حال أولادك؟ فقال الرجل يقبّلون يديك، قال الإمام أحمد “لا تكذب” وإن الكذب له دواع كثيرة ومنها أن يجلب لنفسه مغنما أو يدفع عن نفسه ضررا، أو أن يقول الناس لا يقبلون حديثي ويقبلون عليّ إلا إذا كذبت، ولأني لا أجد من الأخبار الصحيحة ما أطرفهم به ويستظرفون به حديثي، فيستحل الكذب ويأتي بعجائب وغرائب من أجل أن يضحك الناس ويجمعهم حوله، وقد يكون الكذب من أجل التشفي بالخصم فيكذب عليه لأجل تشويه سمعته مثلا وهكذا، وهذا الكذب خلق ذميم من اعتاده صعب عليه جدا أن يتخلص منه، لأن العادة طبع ثان، إنسان فيه طبع يولد من بطن أمه فيه، والعادة التي يتعود عليها الإنسان طبع ثان ويصعب جدا تغيير الطباع، وقال بعض السلف “من استحلى رضاع الكذب عسر عليه الفطام”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى