مقال

الدكروري يكتب عن ماذا عن الحلال والحرام ” جزء 5″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن ماذا عن الحلال والحرام ” جزء 5″

بقلم / محمــــد الدكـــروري

 

فإن السرقة جريمة مستقبحة مسترذلة، مستبشعة، وقد كثرت النصوص من كتاب الله تعالى وحديث رسوله صلى الله عليه وسلم في تحريمها وذمها، فقال الله تعالى ” والسارق والسارقه فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم” وقال ابن عطية “وهذا أى يقصد السارق، هو الذي يجب عليه القطع وحده من بين أَخذة الأموال، لخبث هذا المنزع، وقلة العذر فيه” ولقد سرقت امرأة مخزومية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسلوا أسامة بن زيد شفيعا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعفو عنها لشرفها ومكانتها، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال “أتشفع في حد من حدود الله؟” ثم قام خطيبا وقال “يا أيها الناس، إنما هلك الذين من قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها” رواه البخارى ومسلم.

 

والسارق إذا مات وهو متلبس بالسرقة، فقد مات على غير إيمان، لأن الإيمان فارقه وهو يسرق، فيقو ل النبي صلى الله عليه وسلم “لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم وذلك لأنها ذات شرف، حين ينتهبها وهو مؤمن” رواه البخارى ومسلم، وإن سرقة القليل، هى استدراج لسرقة الكثير، فعن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده” رواه البخارى ومسلم، وإن المال أحد العناصر الأربعة التي يسأل عنها العبد يوم القيامة قبل أن تزول قدماه، قال النبي صلى الله عليه وسلم “لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع، عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه” رواه الترمذى.

 

ولقد عظم النبي صلى الله عليه وسلم أمر السرقة، حتى لو كانت في الشيء التافه الحقير، فقال صلى الله عليه وسلم بعد أن نصره الله في غزوة حنين، وغنم المسلمون أموالا كثيرة، وقد أخذ شعرة من بعير “إن هذه الوبرة من غنائمكم، وإنه ليس لي فيها إلا نصيبي معكم، إلا الخمس والخمس مردود عليكم، فأدوا الخيط والمخيط، وأكبر من ذلك وأصغر، ولا تغلوا، فإن الغلول نار وعار على أصحابه في الدنيا والآخرة” رواه أحمد، ولذلك كان الصحابة يتحرجون من الوظائف التي فيها مخالطة الأموال العامة، خوفا على أنفسهم، فعن أبي مسعود الأنصارى رضي الله عنه قال بعثني النبي صلى الله عليه وسلم ساعيا، ثم قال “انطلق أبا مسعود، ولا ألفينك يوم القيامة تجيء وعلى ظهرك بعير من إبل الصدقة له رغاء قد غللته” قال “إذا لا أنطلق” قال “إذا لا أكرهك” رواه ابن ماجة، وعلى كل سارق عزم على التوبة إلى الله تعالى أن يعيد ما سرقه إلى صاحبه.

 

فإن عجز عن الوصول إلى صاحب المال أو إلى ورثته من بعده، تصدق به ونوى أجره لصاحبه، وأيضا فإن هناك آفه لا تقل خطورة عن سالفاتها، بل تعتبر كبيرة من كبائر الذنوب، وعظيمة من عظائم الأعمال، انتشرت بين المسلمين انتشار النار في الجحيم، واتخذت مطية للسطو على مستحقات الغير، والانقضاض على أموالهم وممتلكاتهم ظلما وعدوانا، إنها شهادة الزور التي اعتبرها النبي صلى الله عليه وسلم أحدى علامات الساعة، حيث قال “إن بين يدي الساعة شهادة الزور، وكتمان شهادة الحق” وذلك لما فيها من التلبيس على الناس بأقاويل كاذبة، وشهادات باطلة، تقلب الحقائق، وتغمط الحقوق، وتجعل الحق باطلا، والباطل حقا، شهادة الزور التي نسمع في كل لحظة أخبارها تتطاير هنا وهناك، والزور في اللغة هو الميل عن الحق، يقول الأصفهانى “وقيل للكذب زور، لكونه مائلا عن جهته، وزوّر الشهادة بمعنى أبطلها.

 

وزوّر الكلام بمعنى زخرفه، والتزوير هو تزيين الكذب، وهو في الاصطلاح تغيير الحقيقة، إما قولا، أو فعلا، أو كتابة، بهدف خداع الغير، ولقد اكتسح التزوير ميادين كثيرة، وتعددت صوره، مثل الشهادة الكاذبة، التي صارت سلعة يروج لها أشخاص يقفون عند أبواب المحاكم، ويعرضون خدمتهم لمن يطلبها، ولو لم تربطهم به معرفة سابقة، ولكل شهادة ثمن، بحسب حجم الملف وموضوع الشهادة، ويا عجبا كيف يسمح هؤلاء لأنفسهم أن يكذبوا في الشهادة من جهة، ويحلفوا باليمين على صدق شهادتهم وهم كاذبون، فقال الله تعالى فى كتابه الكريم ” سنكتب شهادتهم ويسألون” ولقد جاء أعرابى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال “يا رسول الله، ما الكبائر؟” قال “الإشراك بالله” قال “ثم ماذا؟” قال “ثم عقوق الوالدين” قال “ثم ماذا؟” قال “اليمين الغموس” قال “وما اليمين الغموس؟” قال “الذى يقتطع مال امرئ مسلم هو فيها كاذب” رواه البخارى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى