مقال

الغبطة في الإسلام ” جزء 2″

الغبطة في الإسلام ” جزء 2″

بقلم / محمــد الدكــرورى

 

ونكمل الجزء الثاني مع الغبطة في الإسلام، وأطلت بدور حكمته، فكانت نورا للسائرين، وضياء للحائرين، وسلوة للمؤمنين، وإن هذه الحكمة، بهذه الصفة، هي التي تبعث في نفوس النبلاء الحسد، أي بمعنى أنه يتمنى أن له مثل هذه الحكمة، ويرنو إليها، وينافس للفوز بمثلها، والوصول إلى درجة حاملها، ولكنه وفي قرارة نفسه لا يتمنى زوالها أو فقدانها، بل هو حسد يسمى حسد الغبطة، أي يود لو أنه أوتي مثل ما أوتي ليكون مثله في الخير والفضل والسمو، فإن الحكمة هي الخير الكثير، والنعمة الباذخة، ولقد امتن الله عز وجل علينا بأن بعث فينا رسولا منا ليتلو علينا الكتاب، وليعلمنا الحكمة، فكان النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أعلم الناس، وأحكم الناس، وأنفع الناس، وما بالك بعلم وحكمة ونفع يغمر الكون كله، والدنيا أجمعها.

 

والحياة برمتنا، منذ بزوع فجرها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وإن هذا الحديث دعوة إلى التنافس المحمود، والتسابق الميمون، الذي ينفع في الدنيا، ويرفع في الآخرة، بعد أن ذكر الله تعالى الجنة ونعيمها، وما أعد لعباده فيها، ويتبين لنا أن الحسد نوعان، نوع محرم مذموم على كل حال، وهو أن يتمنى زوال نعمة الله عن العبد دينية أو دنيوية، وسواء أحب ذلك محبة استقرت في قلبه، ولم يجاهد نفسه عنها، أو سعى مع ذلك في إزالتها وإخفائها، وهذا أقبح، فإنه ظلم متكرر، وهذا النوع هو الذي يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، فالحسد دليل الجهل، ومؤشر، وإذا كان للحسد مؤشر، فهذا المؤشر يتناسب مع الجهل، فالحسود لا يعرف الله، ولا يعرف طبيعة الحياة الدنيا ولا يعرف طبيعة الآخرة، ولا يعرف مهمة الإنسان في الدنيا، ولا يعرف سر التكليف.

 

ولا يعرف ما الأمانة، ولا يعرف ما قيمة العمل الصالح، فهذا هو الحسود، وإن الحسد حينما تسري هذه العين الحاسدة يسري شعاعها إلى إنسان محسود غافل عن الله عز وجل، فالغافل إذا حسد أصابته عين الحسود، أما إذا كان معتصما بالله سبحانه وتعالى وكان مستعيذا به، ملتجئا إليه، قولك أعوذ بالله ينتهي كل شيء يعنينا من هذا الكلام أن النبي الكريم محمد عليه الصلاة والسلام قال “لا حسد” والحسد في التعريف الدقيق أن تتمنى زوال النعمة عن أخيك، كي تنصرف إليك أو إلى غيرك، على كل أن تتمنى زوال النعمة عن أخيك هذا حسد لا شك فيه، وهذا حسد، وهناك حسد من نوع مثقل وهو أن تسعى عن طريق الوشاية، أو عن طريق المكر، أو عن طريق الإيقاع في أن تزيل هذه النعمة عن أخيك، إذن الحسد في أصله تمني زوال النعمة،

 

وفي فعله أن تسعى جاهدا كي تزيل هذه النعمة عن أخيك لتنصرف إليك أو إلى غيرك هذا هو الحسد، وأما النوع الثاني فهو أن لا يتمنى المرء زوال نعمة الله عن الغير، ولكن يتمنى حصول مثلها له، أو فوقها أو دونها، وهو محمود ومأذون به، ولا حرج أن يتمنى المسلم النعمة دون أن تزول من الآخرين، ويقول الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم “لا تنافس بينكم إلا في اثنتين، رجل أعطاه الله عزل وجل القرآن، فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهاء، ويتبع ما فيه، فيقول رجل لو أن الله أعطاني مثل ما أعطي فلانا فأقوم به كما يقوم به ورجل أعطاه الله مالا فهو ينفق ويتصدق، فيقول رجل لو أن الله أعطاني مثل ما أعطى فلانا فأتصدق به” رواه الطبراني، وإن هذه الأماني هي أماني أصحاب النفوس السوية، والقلوب الزكية ، وإن العلم والمال نعمتان عظيمتان.

 

إذا عمل المر فيهما بما يرضي الله سبحانه وتعالى، وإن المسلم بطموحة إلى هذا الفضل، وتمنيه أن يكون من ذوي هذا الخير، يدرك أجر أصحابه حتى ولو لم يكن من أربابه، وإن المسلم بنيته الطيبة، وطموحه المحمود، ومشاعره الصادقة، يصل إلى أجر أصحاب هذه المنن، ولكن انظر إلى من يتجه للحسد اليوم من كثير من الناس، وانظر إلى من يتطلعون وينافسون، وانظر إلى طموحات شبابنا وبناتنا، ومن يتمنون أن يكونوا أمثالهم، فيظهر الماجن الفاسق المتهتك المتبجح، الذي يجاهر بالمعصية، ويتبجح بالضلالة، ثم ترى الآلاف المؤلفة من أبناء المسلمين وبناتهم يطمحون إلى أمثاله، ويتمنون أنهم مثله، ولذلك هم في الوزر سواء، بل الأعجب من ذلك أنهم يسابقون إلى مناصرتهم، ويجتهدون في دعمهم وتشجيعهم والترحيب بمواهبهم.

 

وإن المثل الأعلى للمؤمن هم أهل الإيمان، وذوو الإحسان، فهم أصحاب المثل الرفيعة، والأخلاق العالية، والهمم الزكية، سواء كانوا رجالا أو نساء لقد بين تعالى أن الأسوة الحسنة لنا هي في النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وعن أبي هريرة رضى الله عنه وأرضاه أن النبى الكريم صلى الله عليه وسلم قال ” لا حسد إلا في اثنتين رجل علمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار فسمعه جار له فقال ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل، ورجل أتاه الله مالا فهو يهلكه بالحق فقال رجل ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل” .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى