مقال

سعيد بن جبير الأسدي ” جزء 2″

سعيد بن جبير الأسدي ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكــرورى

 

ونكمل الجزء الثاني مع سعيد بن جبير الأسدي، وقال خصيف كان من أعلم التابعين بالطلاق سعيد بن المسيب، وبالحج عطاء، وبالحلال والحرام طاوس، وبالتفسير أبو الحجاج مجاهد بن جبر، وأجمعهم لذلك كله سعيد بن جبير، وقال ميمون بن مهران لقد مات سعيد بن جبير رحمه الله، وما على ظهر الأرض أحد إلا وهو محتاج إلى علمه، وكان كثير الذكر لله عز وجل، وكان يقول إن مما يهمني ما عندي من العلم، وددت أن الناس أخذوه، وكان لا يدع أحدا يغتاب عنده، وما كانت تأتي فرصة للدعوة أو للنصح أمام سعيد بن جبير رحمه الله إلا اغتنمها، فكان يراسل إخوانه، وفي ذلك يقول عمرو بن ذر كتب سعيد بن جبير إلى أبي كتابا أوصاه فيه بتقوى الله، وقال يا أبا عمر، إن بقاء المسلم كل يوم غنيمة، وذكر الفرائض والصلوات وما يرزقه الله من ذكره.

 

وعن هلال بن خباب، قال خرجنا مع سعيد بن جبير في جنازة، قال فكان يحدثنا في الطريق ويذكرنا حتى بلغ، فلما بلغ جلس فلم يزل يحدثنا حتى قمنا فرجعنا، وهكذا هى الدنيا نحيا لنموت ونموت لنحيا، والحياة الدنيا تنتهي بالموت، والحياة الآخرة تنتهي بالأبد، بالبقاء، والدنيا دار عمل، والآخرة دار جزاء، والدنيا دار تكليف والآخرة دار تشريف، والدنيا محدود والآخرة طليقة، وما أخذت الدنيا من الآخرة إلا كما يأخذ المخيط إذا غمس في مياه البحر، وإن المؤمن حينما يموت ينطلق من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة كما ينطلق الجنين من ضيق الرحم إلى سعة الدنيا، فقد رأى سعيد ما يحدث في بلاد المسلمين بعينه، وخاصة بعد أن حاصر الحجاج بن يوسف الثقفي مكة وقصفها وانتهك حرمة البيت الحرام، وبعد أن قدم سعيد الطاعة للحجاج بالقوة.

 

وسافر إلى الكوفة وبدأ بنشر الحديث وتعليم الناس الفقه، فتفاجأ بتعيين الحجاج واليا على الكوفة فسافر إلى أصفهان في إيران ثم عاد إلى مكة، ليقضي معظم حياته متنقلا بين الأمصار هربا من الحجاج بن يوسف الثقفي الذي كان قد طلبه عندما تولى الكوفة فرفض سعيد مقابلته وغادر البلاد، وبعد أن قبض والي مكة على سعيد الذي كان يعيش في مكة، قام بإرساله إلى الحجاج بن يوسف الثقفي مكبلا بالقيود، فسار من الحجاز إلى العراق مكبلا، حتى إذا وقف بين يدي الحجاج، دار بينهما حوار طويل يسأل به الحجاج عن سبب خروج سعيد عن طاعة الحجاج وانقلابه على أمير المؤمنين، وبعد حوار طويل دافع فيه سعيد عن نفسه وعن كلمة الحق بإيمان مطلق، قال له الحجاج أي قتلة تريد أن أقتلك؟ فقال سعيد اختر لنفسك يا حجاج.

 

فوالله ما تقتلني قتلة إلا قتلتك قتلة في الآخرة، فرد الحجاج أتريد أن أعفو عنك؟ فقال سعيد إن كان العفو فمن الله، وأما أنت فلا براءة لك ولا عذر، فقال الحجاج اذهبوا به فاقتلوه، وبينما هم الجند بقتله ضحك سعيد فتعجب من حوله وأخبروا الحجاج فدعاهم لرده وسأله “ما أضحكك؟ فقال سعيد عجبت من جرأتك على الله وحلمه عنك، فأمر الحجاج بقتله، فتلا سعيد قول الله تعالى “إنى وجهت وجهى للذى فطر السموات والأرض حنيفا، وما أنا من المشركين” فقال الحجاج وجهوه لغير القبلة، فقرأ سعيد قول الله تعالى ” فأينما تولوا فثم وجه الله” فقال الحجاج كبوه على وجهه، فتلا سعيد “منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى” فأمر الحجاج بذبحه، فنطق سعيد بالشهادتين ثم دعا قائلا اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدي.

 

ومات سعيد بن جبير في الحادى عشر من شهر رمضان من عام خمسة وتسعين من الهجرة، واستجاب الله عز وجل دعاءه فقد مات الحجاج بعده بفترة قصيرة ولم يقتل بعده أحدا، وقد تم قتل سعيد بن جبير رحمه الله على يد الحجاج سنة خمس وتسعين، وكان حينها ابن تسع وأربعين سنة، وقيل أن الحجاج كان إذا نام يراه في منامه يأخذ بمجامع ثوبه، فيقول يا عدو الله فيم قتلتني؟ فيقول ما لي ولسعيد بن جبير، ما لي ولسعيد بن جبير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى