مقال

الدكرورى يكتب عن معركة أجنادين “جزء 3”

الدكرورى يكتب عن معركة أجنادين “جزء 3”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثالث مع معركة أجنادين، فوصل الخبر إلى خالد بن الوليد، فعاد ينهب الأرض نهبا، حتى وصل إلى جيش أبي عبيدة على أطراف دمشق، فدق الروم بعضهم على بعض كما يقول الرواة، وانتصر على حامية دمشق، وتتبعهم حتى أدخلهم مرة أخرى داخل أسوار دمشق، وعاد هو إلى مؤخرة الجيش مرة أخرى، ولكنهم لم يتتبعوه، ثم انطلق إلى أجنادين بجيشه وجيش أبي عبيدة، ولم يعبر نهر الأردن خوفا من اختراق الأرض التي سيكون على ميمنته فيها الجيوش الرومية، فالتف حول البحر الميت، حتى يصل إلى أجنادين، ووصلت الرسالة إلى شرحبيل في بصرى، وهو على بعد يوم واحد فقط من جيش وردان، فلم يكن لديه وقت كاف للحرب، وكان خالد قد أمره ألا يقاتل جيش وردان، وخشي إن هو عاد إلى أجنادين أن يلحقه وردان بجيشه من الخلف.

فأخذ جيشه واتجه شرقا، لأنها منطقة أكثرها صحراء، والجيش الرومي لم يعتد على الصحراء، وبالفعل ما إن علم وردان باتجاه شرحبيل إلى الصحراء بجيشه، حتى خشي أن يتبعه وتوقف، ووصلته رسالة من هرقل للذهاب إلى جلق ليجتمع مع الجيش الرومي هناك، ويتجهوا جميعا إلى أجنادين، وأنه هو الذي سيرأس جيوش الروم كلها هناك وبذلك بلغت القوة الرومية في أجنادين نحو مائة ألف مقاتل أو يزيد، في حين بلغت الجيوش الإسلامية كلها ثلاثه وثلاثين ألف مجاهد, وكان آخر الجيوش وصولا إلى أجنادين جيش شرحبيل بعد أن خرج من الصحراء وعسكر الجيش الإسلامي في أجنادين، وتجمع الجيش الرومي هناك والتاريخ يذكر أن الروم لم يختاروا أجنادين للقتال، وإنما اختاروها للتجمع، فهي تقع في مفترق الطرق.

فمنها طريق إلى بيت المقدس، وطريق واضح إلى دمشق، وطريق إلى البحر الأبيض المتوسط، وطريق إلى الرملة وطريق إلى غزة مما يجعل تجمع الجيوش الرومية عندها ميسورا، فهي مجرد مكان تجمع، لكن لا يوجد به أسوار عالية، أو حصون منيعة، فلم تكن مهيئة للحرب، وإنما للتجمع، ثم الانتقال إلى بيت المقدس أو الخليل، أو غيرها من المناطق المعدة للقتال، إلا أن جيش خالد بن الوليد بعيونه ومخابراته استطاع أن يفاجئهم في أجنادين، وكذلك بقية الجيوش الإسلامية، التي جاءت بسرعة مذهلة، إلى حيث أمرهم القائد الأعلى آنذاك، وأرسل جيش الروم أحد الجواسيس من العرب الموالين للروم إلى الجيش الإسلامي، اسمه ابن هزارز، وقد أسلم بعد ذلك، فدخل ولم يعرفه أحد، وقد وصاه تذارق أن يأتيه بخبر القوم، فمكث يوما بليلة، ثم عاد إليهم.

فقال “والله إني وجدتهم، رهبانا بالليل، فرسانا بالنهار، لو سرق ابن ملكهم قطعوا يده، ولو زنى رُجم، لإقامة الحق فيهم ” فهذه الصفات التي في الجيش الإسلامي آنذاك، هي مفتاح النصر الذي جعلها تجرؤ على محاربة أعتى قوة في العالم قوة الروم، في أرضها، تلك الصفات أنهم رهبان بالليل، يذكرون الله ليلا، ويقفون بين يدي الله، يبكون، ويصلون، والناس نيام، وكأنهم انقطعوا لعبادة الله، سمتهم ليس كسمت عامة الناس، الذين يقضون أيامهم كما تكون، وإنما كالراهب الذي انقطع عن الحياة تماما، ومكث في محرابه، يتعبد الله، كان لهم دوي كدوي النحل وكانت هذه صفة لازمة لكل معسكرات الجهاد الإسلامي، في فارس والروم، وفي كل مكان، فإذا أتى النهار كانوا فرسانا ذوي نشاط وهمة، وتدريبات على القتال كبيرة، ومهارة في الأداء.

والأخذ بكل أسباب النصر، فهم متوكلون على الله بالعبادة، ويعدون العدة بالنهار، ثم إنهم يتسمون بالعدل المطلق، وعلى الرغم من شهرة هذه المعركة، إلا أنه اختلف في زمانها ، فقد ذكرها بعض المؤرخين قبل اليرموك، وقد ذكرها بعضهم بعد اليرموك، كما اختلف في الحديث عنها حتى ليخيل للمتتبع أنها كانت جزءا من معركة اليرموك، وذلك لورود أسماء قادتها من الفريقين وهم قادة معركة اليرموك نفسها ولكن تقع منطقة أجنادين بين الرملة وبيت جبرين بفلسطين، وكان قائد جيش المسلمين هو عمرو بن العاص، ويساعده شرحبيل بن حسنة وكان قائد جيش الروم هو الأرطبون، وإن المسلمين الأوائل لم ينقلوا الإسلام إلى الأمم، ولكنهم نقلوا الأمم إلى الإسلام، ولقد خرج المسلمون إلى بلاد الفرس والشام يبلغون رسالة الله سبحانه وتعالي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى