مقال

الدكروري يكتب عن معركة القادسية “جزء 6”

الدكروري يكتب عن معركة القادسية “جزء 6”

بقلم / محمــــد الدكــــرورى

 

ونكمل الجزء السادس مع معركة القادسية، بدءا من غزوة بدر الكبرى التي كان عدد المسلمين فيها ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا أمام ألف من المشركين، إلى معركة القادسية التي نازل فيها سبعة آلاف من المسلمين بقيادة سعد بن أبي وقاص ستين ألفا من الفرس بقيادة رستم وهزموهم بإذن الله، وإذا أجرينا عملية نسبة وتناسب، لوجدنا أن كل جندي مسلم في معركة القادسية يقابل أكثر من ثمانية من جند العدو، فبعد هذه الانتصارات التي حققها المسلمون، وبعد الرعب الذي وقع في قلوب أهل فارس يحدث حدث غريب لم يحدث من قبل، ولم يحدث بعد ذلك في الحروب الفارسية، وتناقله الرواة في رواياتهم لحروب فارس، وكان حادثا مؤسفا وهو أن أحد المسلمين في الجيش الإسلامي ارتد وانتقل من معسكر الإيمان إلى معسكر الكفر والوثنية.

 

وليس بينه وبين الشهادة إلا مسافة غير بعيدة، ولكنه ارتد رافعا يده مستسلما للفرس، أن هذا الرجل جاء إلى الفرس، وأعلن ارتداده وانضمامه إلى صفوف الفرس وترك جيش المسلمين، وكانت هي الحادثة الوحيدة التي حدثت طيلة الحروب الفارسية، وسأله الفرس أي العرب أشد؟ فقال لهم إن بأسهم في بجيلة، فإذا انتصرتم عليها وهنت لكم قوة العرب، فلما وصل هذا الكلام إلى رستم أصدر أمرا بتقدم الميمنة والمقدمة نحو بجيلة، فيتوجه الهرمزان على رأس ثمانية وعشرين ألف مقاتل، والجالينوس على رأس أربعة وعشرين ألف، وكان مجموع الفرقتين اثنين وخمسين ألف مقاتل، وتتوجه هذه القوة إلى قبيلة بجيلة، وإلى هذه اللحظة لم يطلق القائد سعد بن أبي وقاص التكبيرة الرابعة، وما إن توجهت هذه الأعداد إلى قبيلة بجيلة حتى أمطروهم بوابل من السهام.

 

فاتقى المسلمون السهام، وتقدمت الأفيال نحو بجيلة فنفرت الخيل من أمام الفيلة، وبدأ الفرسان يدفعون بالمشاة ليتقدموا ويدفعوا عن الخيول، وكان هذا الموقف من أشد المواقف صعوبة على المسلمين، وقاتل المسلمون بصعوبة شديدة، وثبت المشاة من المسلمين ولم تثبت الخيول، وبدأت الكفة ترجح في جانب الفرس ومن فوق قصر قديس، رأى القائد سعد بن أبي وقاص بنظرته الحربية أنه لو أطلق التكبيرة الرابعة لهجمت الفرق الإسلامية على فرقة الجالينوس وفرقة الهرمزان، مما يعطي الفرصة لبقية فرق الفرس المنتظرة دون قتال بقيادة مهران والبيرزان وبهمن للالتفاف حول الجيش الإسلامي ومقاتلته من الخلف، فخشي سعد بن أبي وقاص من إطلاق التكبيرة الرابعة إلا بعد اشتراك هذه الفرق في القتال حتى تواجههم الفرق الإسلامية وجها لوجه.

 

ولا تلتف خلف الجيش الإسلامي، فيصبر سعد بن أبي وقاص حتى يرى ما تنتجه الأحداث، وتثبت بجيلة ولكن الأمر في غاية الصعوبة، فأعداد الفرس ضخمة وهجوم الأفيال شديد جدا، وقد ألقى الفرس تحت أرجل خيول المسلمين حسك الحديد وهى قطعا تشبه الخوازيق، فكان هذا الموقف من أشد المواقف على المسلمين، وفي الوقت نفسه أرسل سعد بن أبي وقاص رسالة إلى قبيلة أسد أن أغيثوا بجيلة وهي على يمين بجيلة مباشرة، وقبل أن تتحرك قبيلة أسد لنجدة بجيلة، كانت الفرق الفارسية قد توجهت إلى عمق قطاع بجيلة وفي قطاع كندة أيضا على يسار بجيلة، وعانت القبيلتان من السهام والسيوف الفارسية، ولما وصلت الرسالة إلى قبيلة بني أسد قام طليحة بن خويلد الأسدي وخطب في الناس، وقال لهم لو يعلم سعد قوما أجدر منكم على إغاثتهم لاستغاثهم.

 

وإنما سميتم أسدا لتفعلوا فعله، فقاتلوا كما تقاتل الأسود، وكانت لهذه الكلمة أثر السحر في نفوس قبيلة أسد، فقامت وهجمت على فرقة الجالينوس لتذب عن بجيلة الرماح والسهام والسيوف الفارسية، وألقى الله في قلوبهم الثبات، وقاتلت قبيلة “أسد” أشد ما يكون القتال مما جعل العجب يدخل إلى نفوس أهل المعركة، وبعد هذه الهجمة من قبيلة بني أسد وجد الهرمزان والجالينوس أن الهجوم يأتي من ناحية قبيلة أسد، فوجهوا القتال ناحيتها، وفي أثناء القتال قام الأشعث بن قيس في قبيلة كندة التي كانت على ميسرة الجيش الإسلامي، وكان الأشعث في الوفد الذي ذهب إلى يزدجرد، وكان قد ارتد من قبل، وزوجه الخليفة أبو بكر الصديق أخته أم فروة بعد أن اطمأن إلى إسلامه، فقال لهم يا معشر كندة، لله درّ بني أسد أي فري يفرون، أي ما أشد قتالهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى